المسلك السادس
لبعض المتأخرين من أصحابنا (١) فى الدلالة على إثبات
حدوث الأجسام
وهو أنه لو كانت الأجسام أزلية ؛ لكانت فى الأزل :
إما أن تكون متحركة ، أو ساكنة : والقسمان باطلان.
فالقول : بأزلية الأجسام باطل. أما بيان الحصر فى القسمين : فهو أن الأجسام متحيزة ، وكل متحيز ؛ فلا بد وأن يكون مختصا بحيز معين بمعنى : أنه لا بد وأن يكون : بحيث يصح أن يشار إليه ، بأنه هاهنا. أو هناك.
وعند ذلك : فلا يخلوا فى الأزل : إما أن يكون باقيا فى حيز واحد ، أو لا يكون كذلك ، بل يكون منتقلا من حيز ، إلى حيز.
فإن كان الأول : فهو الساكن.
وإن كان الثانى : فهو المتحرك.
وأما بيان امتناع كون الجسم فى الأزل متحركا وجوه :
الأول : أن الحركة عبارة عن الانتقال من حالة إلى حالة ؛ وذلك يوجب كون الانتقال مسبوقا بحصول الحالة المنتقل عنها.
فإذن حقيقة الحركة تستدعى المسبوقية بالغير ؛ وذلك ينافى الأزلية.
الوجه الثانى : فى الدلالة أنا إذا فرضنا أن كل دورة من دورات الفلك كانت مسبوقة بدورة أخرى إلى غير النهاية ؛ فتكون كل واحدة من تلك الدورات ؛ مسبوقة بعدم لا أول له [فتلك العدمات بجملتها مجتمعة في الأزل ، والترتيب إنما هو فى الوجودات ، لا فى العدمات (٢)].
__________________
(١) هو الإمام الرازى كما ذكر ذلك ابن تيمية حيث وضح أن الرازى أخذه عن المعتزلة (درء التعارض ٤ / ٢٧٣. وقد نقل ابن تيمية هذا المسلك فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٣١. ٣٢) قال : فأما المسلك : الأول الّذي ذكره الرازى فقال الآمدي : المسلك السادس : لبعض المتأخرين من أصحابنا فى الدلالة على إثبات حدوث الأجسام ... إلخ» ثم رد عليه من وجهه نظره. ثم كرر ابن تيمية مناقشة هذا المسلك فى المجلد الرابع ص ٢٧٣ وما بعدها ، واعترض عليه بعد أن نقل من كلام الآمدي نقولا متعددة سأشير إليها فى الهوامش.
(٢) ساقط من (أ).