وأما دليل تقدم المادة : فمن وجهين :
الأول : أنه إذا ثبت تقدم الزمان ، فإما أن يكون الزمان قائما بنفسه ، أو بغيره (١).
فإن كان قائما بنفسه : مع الاستحالة ؛ فهو جوهر ؛ وقد ثبت أنه لا أول له ، وهو دليل قدم الجوهر.
وإن كان قائما بغيره ؛ فذلك الموضوع هو المعنى بالمادة المتقدمة.
الثانى : هو أن كل ما وجوده مسبوق بعدمه ؛ فإن كان وجوده متقدم على وجوده ؛ لما سبق.
وليس معنى كونه ممكنا ، كونه مقدورا عليه ، وإلا كان قول القائل : هذا الشيء مقدور ؛ لأنه ممكن ، وهذا الشيء غير مقدور : لأنه غير ممكن ، تعليل الشيء بنفسه. وكأنه قال : إنما كان هذا الشيء مقدورا ؛ لأنه مقدور. وإنما كان هذا الشيء غير مقدور ؛ لأنه غير مقدور ؛ وهو متهافت ؛ فله معنى آخر وهو : إما وجودى ، أو عدمى :
لا جائز (١١) / / أن يكون عدميا : فإن نقيض الإمكان ؛ لا إمكان ، ولا إمكان عدم / ؛ لأنه يصح اتصاف الممتنع به والعدم المحض ؛ لا يكون موصوفا بالوجود. ويلزم منه أن يكون الإمكان وجوديا ، وإذا كان وجوديا ؛ فليس قوامه بنفسه. وإلا لما كان صفة لغيره ؛ فلا بد له من موضوع ؛ وذلك هو المعنى بالمادة.
الثالث (٢) : أنه لو كان العالم حادثا ، لم يخل : إما أن لا يكون بينه ، وبين الرب ـ تعالى ـ مدة ، أو يكون بينهما مدة. فإن كان الأول : فيلزم منه. مقارنة ، وجود العالم ؛ لوجود الرب ـ تعالى.
ويلزم من ذلك : إما حدوث الرب ، لحدوث العالم ، وإما قدم العالم لقدم الرب ـ تعالى ؛ وكل واحد من الأمرين ، خلاف الفرض.
وإن كان الثانى : فإما أن تكون المدة متناهية ، أو غير متناهية ، فإن كانت متناهية : لزم أن يكون ، وجود الرب ـ تعالى ـ متناهيا ؛ وهو ممتنع. وإن كانت غير متناهية : فقد لزم قدم الزمان ، وإذا أمكن وجود مدة ؛ لا تتناهى ، أمكن وجود مدد لا تتناهى.
__________________
(١) راجع ما مر فى الفرع السادس : فى الزمان ل ٦١ / ب وما بعدها.
(١١)/ / أول ل ٥١ / ب من النسخة ب.
(٢) الشبهة الثالثة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم. وقد رد عليها الآمدي فيما يلى ل ١٠١ / أ.