الحادى عشر (٣) : أنا لم نشاهد إنسانا إلا من إنسان ، ولا بيضة إلا من دجاجة ، ولا دجاجة إلا من بيضة ، فلو كان العالم حادثا ؛ لكان الأمر على خلاف ما شاهدناه ، واطردت به العادة.
ولو جاز ذلك ؛ لجاز مخالفة جميع القضايا العادية : لتجويز أن يكون بين يدى إنسان سليم البصر : جبل شامخ ، ولا حائل بينهما ؛ وهو لا يراه ، ويراه من هو دونه فى قوة الإبصار.
وكتجويز من يراه ، ويعرفه أنه غير من يعرفه ، وأن المتكلم لنا بالكلمة الثانية ؛ غير المتكلم لنا بالكلمة الأولى ، وكتجويز الخارج من بيته وفيه ، أهله ، وماله عند العود إليه ؛ أنه ليس ذلك بيته ، ولا الأهل أهله ، ولا المال ماله ؛ لجواز عدم ذلك كله ، وخلق الله ـ تعالى ـ لغيره.
بل أبلغ من ذلك تجويز وجود العلم والقدرة ، بالمحل دون وصفه بالحياة ؛ فإنه لا مستند لاشتراط الحياة فى هذه الأوصاف ؛ غير اطراد العادة ولا يخفى ما يلزم من ذلك من الخلل ، وإبطال إرسال الرسل المستندة صدقهم إلى المعجزات الدالة على صدقهم بحكم جرى العادة (١).
الثانى عشر (٢) : لو كان العالم حادثا ؛ لكان الزمان حادثا ؛ لكونه من العالم ، ولو كان الزمان حادثا ، لما تميز وقت حدوث العالم عن وقت عدمه.
ويلزم من ذلك امتناع وجوده ؛ سواء أكان الموجب له بالذات ، أو الاختيار.
أما الأول : فلأنه إذا لم يكن الزمان قديما ، ولا الأوقات المختلفة موجودة ؛ فليس تخصيصه للعالم بالحدوث ، فى وقت حدوثه دون ما قبل ؛ وما بعد ، أولى من العكس ؛ ضرورة التشابه.
وأما الثانى : فلأن المختار إنما يوجد بالقصد ، وإذا لم تكن الأوقات المتميزة
__________________
(١) انظر ما سيأتى من القاعدة الخامسة ـ الأصل الثانى ـ الفصل الثالث : فى وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول.
ل ١٣٢ / ب. وما بعدها.
(٢) الشبهة الثانية عشرة من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم وقد رد المصنف عليها فى ل ١٠٢ / ب.