وأما الشبهة الرابعة (١) :
فحاصل لفظ الجود فيها يرجع إلى صفة فعلية ، وهو كن الرب ـ تعالى ـ موجدا ، وفاعلا لا لغرض يعود عليه من جلب نفع ، أو دفع ضر.
وعلى هذا : فلا نسلم أن صفات الأفعال من كمالاته ـ تعالى ـ وليس ذلك من الضروريات ؛ فلا بد له من دليل.
كيف : وأنه لو كان ذلك من الكمالات ؛ لقد كان كمال واجب الوجود متوقفا على وجود معلوله عنه.
ومحال أن يستفيد الأشرف كما له من معلوله (٢) ؛ كما قرروه فى كونه موجدا بالإرادة (٣).
وإن سلمنا : أنه كمال ؛ فإنما يكون عدمه فى الأزل نقصا أن لو كان وجود العالم فى الأزل ممكنا ، وهو غير مسلم ؛ وهو على نحو قوله فى نفى النقص عنه ؛ لعدم إيجاده للكائنات الفاسدات : كالصور الجوهرية العنصرية والأنفس الإنسانية ؛ لتعذر وجودها به أزلا من غير توسط ، ولا يلزم من كون العالم غير ممكن الوجود أزلا أن لا يكون ممكن الحدوث ، لما حققناه قبل.
وأما الشبهة الخامسة (٤) :
فربما أجاب عنها بعضهم بأن كون الرب ـ تعالى ـ صانعا ومؤثرا ؛ ليس صفة زائدة على ذاته ـ تعالى ـ وإلا كانت مفتقرة إلى ذاته ، وكانت ممكنة مفتقرة إلى مؤثرية أخرى ؛ ولزم التسلسل. ويلزم عليه صفات الرب ـ تعالى ـ من العلم ، والقدرة ، والإرادة وغيرها ، فإنها مفتقرة إلى ذاته ـ تعالى ـ ، ضرورة كونها صفات لها وهى غير مفتقرة إلى مؤثر ، ولا هى معلولة لشيء أصلا. كيف : وأنه لو كان المفهوم من كون الرب ـ تعالى ـ مؤثرا
__________________
(١) الرد على الشبهة الرابعة من شبه المخالفين الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «أن الجود صفة كمال ، وعدمه صفة نقص .... إلخ».
(٢) راجع ما مر فى ل ٨٢ / أ.
(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٢٨٧ / ب القول فى أن كل كائن فمراد لله ـ تعالى ـ وما ليس بكائن غير مراد الكون.
(٤) الرد على الشبهة الخامسة من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «هو أن البارى ـ تعالى ـ صانع العالم.
وكونه صانع العالم صفة زائدة على ذات الرب ـ تعالى ـ وذات العالم ... إلخ».