الفصل الرابع
فى أن الجواهر متجانسة غير متجددة (١)
أما التجانس : فقد اتفقت الأشاعرة ، وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة.
وذهب النّظام ، والنجار من المعتزلة. بناء على قولهما بتركب الجواهر من الأعراض إلى أن الجواهر إن تركبت من الأعراض المختلفة ؛ فهى / مختلفة.
قالا : ولهذا فإنا ندرك الاختلاف بين بعض الجواهر : كالاختلاف الواقع بين النار ، والهواء والماء ، والتراب ضرورة. كما ندرك الاختلاف بين السواد ، والبياض ، والحرارة ، والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، وسائر الأعراض المختلفة ؛ وهو باطل.
أما كون الجواهر مركبة من الأعراض : فبما سبق (٢).
وأما ما ندركه من الاختلاف بين الجواهر : كالأمثلة المضروبة ؛ فلا نسلم أنه عائد إلى اختلاف الجواهر فى أنفسها ؛ بل هو عائد إلى الأعراض القائمة بها. واختلاف الأعراض لا يدل على اختلاف المعروض له فى نفسه.
فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على إبطال مأخذ القائلين بالاختلاف ، فما دليلكم فى التماثل ، والتجانس؟
فلئن قلتم : دليل التماثل اشتراك جميع الجواهر فى صفات نفس الجوهر وهى التحيز ، وقبول الأعراض ، والقيام بنفسه.
فنقول : وما المانع من كون الجواهر مختلفة بذواتها ، وإن اشتركت فيما ذكرتموه من الصفات ؛ فإنه لا مانع من اشتراك المختلفات فى عوارض عامة لها. وإنما يثبت كون ما ذكرتموه من صفات نفس الجواهر أن لو لم تكن الجواهر مختلفة. وهذه أعراض عامة
__________________
(١) ذكر الإمام الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ٢ / ٩ ـ ١٠ أن الناس اختلفوا فى : هل الجواهر جنس واحد على سبعة أقاويل. وانظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين ص ١٥٣ : مسألة فى تجانس الجواهر. وقد نقل ابن تيمية كلام الآمدي المذكور هنا فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٩.) فقال «قال فى كتابه الكبير : الفصل الرابع فى أن الجواهر متجانسة إلى قوله لا إلى نفس المعنى» ثم علق عليه. وناقشه فى ١٧٩ ـ ١٨٢.
(٢) انظر ما سبق ل ٤ / أوما بعدها.