وكونه أولا بمعنى : أنه كان ، ولا كائن ؛ فليكن معنى الآخر : بقاؤه مع عدم كل موجود سواه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (١) الضمير فى يعيده عائد إلى الخلق ، والإعادة تستدعى سابقة الفناء
وقوله ـ تعالى ـ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢) قضى بأن الإعادة كابتداء الخلق ، وابتداء الخلق بالوجود بعد العدم فالإعادة يجب أن تكون كذلك ؛ ضرورة التسوية ؛ وذلك يستدعى سابقة العدم.
وأما الإجماع : فهو أن الأمة فى كل عصر من الخلف السلف مجمعة على أن كل مخلوق سيعدم.
اعترض النافي لذلك بأن قال : أما قوله ـ تعالى ـ (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٣) فقد قال المفسرون : المراد به أن كل حي ميت ؛ ولا يلزم من ذلك فناء الجواهر وعدمها فى نفسها.
وإن سلمنا : دلالة الآية على الفناء والعدم ؛ لكن على فناء كل شيء ، أو ما على الأرض.
الأول : ممنوع. والثانى مسلّم.
فلا تكون الآية وافية بالدلالة على فناء كل موجود سوى الله ـ تعالى ـ
بل لو قيل : إنها تدل على بقاء الأرض ، وبقاء كل ما ليس على الأرض : كالأفلاك ، وغيرها نظرا إلى فائدة التخصيص بالذكر ؛ لكان متجها.
وأما قوله ـ تعالى ـ (كُلُّ / شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤) فقد قال أهل التفسير أيضا.
المراد به : أن كل حي ميت. إلا وجهه : أى نفسه : فإنه حي دائم لا يموت.
والهلاك : قد يطلق بمعنى : الموت. ومنه يقال للميت هالك والأصل فى الإطلاق الحقيقة.
وعلى هذا : فلا دلالة للآية على عدم الجواهر ، وفنائها
__________________
(١) سورة الروم ٣٠ / ٢٧.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ / ١٠٤.
(٣) سورة الرحمن ٥٥ / ٢٦.
(٤) سورة القصص ٢٨ / ٨٨.