الفصل الأول
فى انقسام المعدوم إلى واجب ، وممكن (١).
والمعدوم : إما أن يكون بحيث لو فرض موجودا ؛ عرض عنه المحال لذاته ، أو لا يكون كذلك.
فالأول : هو الممتنع الوجود ؛ الضرورى العدم :
وهو كالجمع بين الضدين ؛ وبين النفى ، والإثبات من جهة واحدة وككون الجوهر الواحد فى مكانين فى آن واحد ، ونحو ذلك.
والثانى : هو المعدوم الممكن : وذلك كالعالم قبل حدوثه وكالأشياء المعدومة فى وقتنا هذا ، مما يتوقع وجوده فى التالى من المحال من الكائنات ، والأمور المتجددات كالحركات ، والسكنات ، وأصناف الشرور والخيرات.
وربما ذهب بعض الجهال ، ومن لا يؤبه له ، إلى المنع من هذه القسمة. وزعم أن كل معدوم ممكن ، ومتصور الوقوع فى نفسه ؛ تمسكا منه بشبه لا حاصل لها منها :
أن الجمع بين الضدين ، والنفى ، والإثبات وكون الواحد أكثر من الاثنين ، وكون الجسم الواحد فى آن واحد فى مكانين إلى غير ذلك ، مما حكم باحالة وقوعه ، وامتناع وجوده لذاته.
إما أن يكون معقولا ، ومتصورا فى النفس ، أو لا يكون كذلك. فإن لم يكن معقولا ، ولا متصورا فى النفس.
فلا يخفى أن الحكم بنفى ما ليس بمعقول متعذر كالحكم بوجوده. وإن كان معقولا ومتصورا فى النفس ؛ فهو ممكن فى نفسه. وإلا كان تصوره وتعقله جهلا ، على خلاف ما هو عليه.
__________________
(١) الواجب عبارة عما يلزم من فرض عدمه المحال ؛ فإن كان لذاته : فهو الواجب لذاته ، وإن كان لغيره : فهو الواجب باعتبار غيره.
وأما الممكن : فى الاصطلاح : فهو عبارة عما لو فرض موجودا أو معدوما : لم يلزم عنه ـ لذاته ـ محال ، ولا يتم ترجيح أحد الأمرين له إلا بمرجح من خارج.
وفى المصطلح العامى : عبارة عما ليس بممتنع الوجود ؛ وهو أعم من الواجب لذاته ، والممكن لذاته [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء ، والمتكلمين ص ٧٩ ، ٨٠ لسيف الدين الآمدي. ت الدكتور حسن الشافعى].