ومنهم من أثبت الكون فى العدم ، ولم يصفه بكونه حركة.
وذهب الشحام ، ومتبعوه إلى أن الجواهر فى العدم قابلة للأعراض ، وأن الأعراض قائمة بالجواهر فى الأكوان.
وزعم أن الجواهر فى العدم مجتمعة ، ومتركبة على هيآتها وصفاتها ؛ وهى موجودة (١).
وإذ أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل ؛ فلا بد من تقرير مسالك أهل الحق أولا ، وتتبع ما فيها ، وما هو المختار منها ، والانفصال عن شبه الخصوم ثانيا.
وقد تمسك الأصحاب بمسالك ضعيفة :
الأول : أنه لو كانت الذوات ثابتة فى العدم ؛ فذات الجوهر أو السواد مثلا : إذا قطعنا النظر عن جميع الأسباب الخارجة ؛ فلا بد وأن تكون متحدة ، أو متكثرة. وأى الأمرين قدر فهو ثابت لها لذاتها ؛ والوحدة والكثرة عليها محال.
وهذه المحالات : إنما لزمت من فرض الذوات ثابتة فى العدم ؛ فلا ثبوت لها فيه.
وبيان امتناع كل واحد من الأمرين :
أما أنها لا تكون متحدة لذاتها ؛ [لأنها لو كانت متحدة لذاتها] (٢) ؛ لما تصور عليها التكثر فى حالة الوجود.
لأن ما ثبت للذات : إما أن يكون لازما للذات ، أو غير لازم لها.
فإن كان لازما لها : امتنع بقاء الملزوم مع انتفاء لازمه.
وإن لم يكن لازما للذات : كانت الذات فى حالة العدم موردا لتعاقب الصفات عليها ، وذلك هو الطريق المعروف للمحسوسات ، فلو جاز ذلك فى المعدوم ؛ لأمكن أن يكون ما نشاهده فى تبدل الصفات عليه من الأجسام المحسوسة معدوما ؛ وهو محال.
وأما أنها لا تكون متكثرة فى حالة العدم ؛ فمن وجهين :
__________________
(١) أول من أحدث هذا القول الشحّام ، ثم تابعه معتزلة البصرة (الشامل لإمام الحرمين ص ١٢٤).
(٢) ساقط من «أ».