الفصل الخامس
فى أن الجواهر لا تتداخل (١)
وقد اتفق العقلاء على امتناع تداخل الجواهر ، ووجود جوهر يجب وجود جوهر آخر خلافا للنظام (٢) من المعتزلة ؛ فإنه قال : بتداخل الجواهر ، وأنه إذا تميزت جملة من الجواهر ؛ جاز وجود جملة أخرى من الجواهر فى حيث وجودها.
وطريق الرد عليه أن يقال : لو جاز تداخل (٣) الجواهر : فإما أن يقال عند التداخل باتّحاد الجواهر المتداخلة ، أو تعددها.
فإن قيل بالاتحاد : فإما أن يقال باستمرار وجود الجواهر المتداخلة ، أو بعدمها ، أو باستمرار البعض ، وعدم البعض.
فإن كان الأول : فالقول بالاتحاد مع استمرار الجواهر المتداخلة محال.
وإن كان الثانى : فلا تداخل ؛ بل هو فساد لما كان من الجواهر ، وكون لأمر آخر.
وإن كان الثالث : فلا تداخل أيضا ؛ بل هو فساد ، وعدم البعض مع استمرار البعض.
وإن قيل بتعدد الجواهر : مع تداخلها ، ووجود بعضها بحيث البعض الآخر ، فلو كان البعض منها أسود ، والبعض أبيض : فإما أن نراهما ، أو نرى أحدهما دون الآخر ، أو لا نرى واحدا منهما.
فإن كان الأول : فإما أن يكون ما نراه أسود ؛ هو غير ما نراه أبيض ، أو أن ما نراه أسود ؛ غير الّذي نراه أبيض.
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة فى هذا الموضوع ارجع إلى المراجع التالية : الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ١٦٠ وما بعدها. والمواقف للإيجي ص ٢٥١ المقصد الرابع : الجواهر يمتنع عليها التداخل لذاتها بالضرورة ، وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٣٩.
(٢) انظر المواقف للإيجي ص ٢٥١ فقد استبعد تصريح النظام بهذا الرأى وقال : «وأما النظام : فقيل إنه جوزه ، والظاهر أنه لزمه ذلك فيما صار إليه وأما أنه التزمه وقال به ، فلم يعلم ، وإن صح كان مكابرا».
(٣) وقد عرف الآمدي التداخل فى كتابه (المبين ص ٩٧) فقال : «وأما التداخل فعبارة عن ملاقاة شيء بأجمعه لآخر بأجمعه ، ويتبعه كون كل واحد من المتداخلين فى مكان الآخر».