الفصل السادس
فى امتناع وجود جوهرين فى مكان واحد (١)
وامتناع وجود جوهر واحد فى مكانين.
اما امتناع وجود جوهرين فى حيز ، ومكان واحد من غير تداخل ؛ فظاهر لا خلاف فيه بين / / العقلاء ؛ لكن اختلفوا هل امتناع ذلك معللا ، أم لا؟ فذهب بعضهم : إلى أنه غير معلل ؛ بل امتناع اجتماع الجوهرين فى الحيز الواحد لذاتيهما ؛ غير معلل بتضاد عرضين آخرين ، كما أن امتناع الجمع : بين السواد ، والبياض لذاتيهما ، [لا لاتصال غيرهما] (٢) وإليه ميل القاضى أبى بكر والأستاذ أبى إسحاق (٣) فى قول لهما ، غير أن القاضى امتنع من إطلاق اسم التضاد على الجواهر ، باعتبار امتناع اجتماعهما فى الحيز الواحد لذواتيهما ، ولعله راعى فى التضاد تعاقب المتضادين على المحل المقوم ، كما فى تضاد الأعراض ، وذلك غير متصور فى الجواهر.
وأما الأستاذ ؛ فإنه لم يمتنع من إطلاق اسم التضاد على الجواهر بهذا الاعتبار.
وذهب آخرون إلى أن امتناع الجمع بين الجواهر فى الحيز الواحد لا لذواتهما ؛ بل هو معلل ؛ لكن اختلف هؤلاء. فذهب بعضهم إلى أن ذلك معلل بتضاد أكوان المكان ؛ إذ المكان له كون باعتبار وجود أحد الجوهرين فيه ، مضاد لكونه باعتبار وجود الجوهر الآخر فيه. وقد قال / به الأستاذ أبو إسحاق فى قول ، وربما ظن امتناع ذلك بسبب التضاد فى أكوان غير متصور فى أكوان الجوهرين بسبب كونهما فى المكان الواحد ؛ وهو فاسد من جهة أن تضاد الأكوان ، غير متصور بالنسبة إلى محلين مختلفين.
فذهب القاضى أبو بكر (٤) فى قول آخر إلى أن امتناع اجتماع الجوهرين فى المكان الواحد باعتبار أن شرط وجود كل واحد من الجوهرين فيه عدم وجود الآخر فيه وعند الاجتماع ، فقد فقد هذا الاشتراط.
__________________
(١) انظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ٤٤٨ وما بعدها والمواقف للإيجي ـ الموقف الرابع ـ المرصد الثانى ـ المقصد الخامس ص ٢٥١ ، ٢٥٢. وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٤٠.
/ / أول ل ٦ / ب.
(٢) بياض فى أ.
(٣) قارن رأى القاضى والأستاذ بما ورد فى الشامل ص ٤٤٨ وما بعدها.
(٤) انظر الشامل للجوينى ص ٤٤٩.