المسلك الثالث : ما ذكره الأستاذ أبو إسحاق (١) ، وأبو بكر ابن فورك (٢) وهو أنهما قالا : إذا أدرك المدرك جوهرا ثم قام به سواد فادركه مع السواد ؛ فإنه يجد من نفسه تفرقة ضرورية بين حال الجوهر قبل اتصافه بالسواد ، وبعده.
وهذه التفرقة إنما تعود إلى شيئين ، وليس ذلك هو الجوهر والسواد ؛ إذ الجوهر مستمر فى الحالين مع التفرقة ؛ فلم يبق الا أن التفرقة راجعة إلى السواد ، ولون آخر قبله.
وهو ضعيف أيضا : إذ أمكن أن يقال بعود التفرقة إلى إدراك الجسم أولا دون غيره ؛ وإدراكه ثانيا مع غيره ، ولا يخفى أن رؤية شيء واحد متميز عن رؤية شيئين.
والمعتمد فى المسألة أن نقول : إذا افترضنا جوهرين متحيّزين فلا يخلوا : إما أن يكونا مجتمعين ، أو مفترقين ، أو مجتمعين ، ومفترقين معا أو لا مجتمعين ، ولا مفترقين.
لا جائز أن يقال بالثالث : إذ هو معلوم / البطلان بالضرورة.
ولا جائز أن يقال بالرابع : فإن من ضرورة كون الجوهرين متحيزين أن يكون حيّز أحدهما ملاصقا لحيز الآخر ، أو لا يكون ملاصقا له.
والأول : هو الاجتماع ، والثانى : هو الافتراق.
ولا يتصور أن يكون لا ملاصقا له ، ولا غير ملاصق. فلم يبق إلا أن يكونا مجتمعين ، أو مفترقين. والاجتماع والافتراق كونان ، والأكوان أعراض على ما يأتى (٣) :
[ولأن الاجتماع عبارة عن اختصاص الجوهرين كل واحد بحيز لا يفصلهما ثالث ؛ والافتراق مقابل له.
واختصاص الجوهر بالحيز صفة وجودية ، لأن نقيضه صفة للعدم ، والصفة الوجودية عرض] (٤) وفى ذلك تصريح بامتناع خلو الجواهر عن الأعراض مطلقا ، وهو دليل على
__________________
(١) سبقت ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٥ / أ.
(٢) سبقت ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٣ / أ.
(٣) انظر ما سيأتى فى الأصل الثانى ـ الفرع الخامس : فى الأكوان وما يتعلق بها ل ٤٨ / أوما بعدها.
(٤) ساقط من أ.