وإذا لم يوجد منها ما هو حاضر ، ولا مستقبل ، ولا ماض ؛ فلا حركة أصلا.
وأما بيان امتناع اللازم : فهو أن الحركة والانتقال فى المسافات من مكان إلى مكان ، ومن بلد إلى بلد مشاهد معلوم الوجود بالضرورة. وإذا ثبتت الملازمة ، وانتفاء اللازم ؛ لزم انتفاء الملزوم بالضرورة.
وهذا برهان قوى يقينى المادة ، صحيح الصورة ، لا غبار عليه عند المحصلين.
وعلى ما حققناه من لزوم امتناع وجود الحركة ؛ يلزم امتناع وجود الزمان ؛ ضرورة مطابقته للحركة ، وامتناع وجود أجزائه معا ؛ ولا يخفى تقريره.
المسلك الثانى : أنا لو فرضنا شخصا تحرك حركة مكانية لقطع مسافة ؛ فأجزاء حركته غير موجودة معا على ما سبق.
وعند ذلك : فلا بد لحركته من أول وآخر ؛ ضرورة تناهيها من الطرفين. وإذ ذاك فما فرض منها أولا ، وآخرا : إما أن يكون متجزئا ، أو غير متجزئ.
الأول : محال : وإلا لما كان ما فرض منه أولا ، أولا ، وآخرا ، آخرا ؛ بل بعضه ؛ وهو خلاف الفرض.
وإن كان الثانى : فلا بد وأن يكون ذلك الجزء من أول الحركة وآخرها مطابقا لأول جزء من المسافة ، وآخرها : الأول الأول ، والآخر الآخر ؛ ويلزم أن يكون أول جزء من المسافة ، وآخرها غير متجزئ ؛ ضرورة مطابقته لما ليس متجزئا.
وهذا التحرير ، وعلى هذا الوجه لم أجده لأحد غيرى ؛ وهو فى غاية الرشاقة والظهور لمن تأمله.
فإن / قيل : ما ذكرتموه وإن دل على امتناع التجزي ، فهو معارض بما يدل على التجزي ، وبيانه من ستة عشر وجها (١) :
__________________
(١) ذكر الآمدي هاهنا أدلة الفلاسفة ولم يرد على معظمها ـ كعادته فى الرد على شبه الخصوم ـ ووصفها بأنها «إشكالات مشكلة ، والزامات معضلة يحار العاقل المنصف فى الانفصال عنها ، وفى جهة حلها ؛ وغايته لزوم التعارض بينها ، وبين أدلة أهل الحق ، ووجوب الوقف فى هذه المسألة ؛ تأسيا بجماعة من فضلاء المتكلمين ؛ وعسى أن يكون عند غيرى غير هذا» انظر ما سيأتى ل ١٦ / أوهذا مما يدل على دقته وأمانته العلمية ، وتمسكه بما يعتقد أنه الحق.