الفصل الأول : فى تحقيق معنى الجسم (١)
وقبل الخوض فى تحقيق تفصيل العبارات فى معنى الجسم ؛ لا بد من تحقيق معنى الجسم لغة.
فنقول : الجسم فى اللغة : منبئ عن التركيب ، والتأليف ؛ ويدل عليه ما ظهر واشتهر (١١) / / فى العرف اللسانى عند ما إذا راموا تفضيل شخص على شخص فى التأليف ، وكثرة الأجزاء قالوا : فلان أجسم من فلان. إذا كان أكثر منه ضخامة ، وعبالة ، وتأليف أجزاء ، ولا يقصدون بذلك التفضيل فى العلم ، والقدرة ، ولا فى شيء من الصفات العرضية عدا التأليف ؛ بدليل الاستقراء. حتى أن من كان أعلم من غيره ، أو أقدر ، أو أكثر فعلا ، وحركة ، أو غير ذلك لا يقال إنه أجسم من ذلك الغير.
وإذا كانت لفظة أجسم دالة على المفاضلة فى التأليف ، والتركيب ، وكانت مأخوذة من الجسم (٢) ؛ فأصل ذلك اللفظ يدل على أصل ذلك المعنى الّذي وقع به الاشتراك بين الفاضل ، والمفضول ؛ وهو التأليف ، والتركيب ؛ فاسم الجسم على هذا يكون موضوعا لأصل التأليف ، والتركيب.
وهذا كما أن لفظة أعلم لما كانت موضوعة للمفاضلة ، وكانت مأخوذة من العلم ؛ كان لفظ العلم الّذي هو أصل الأعلم ؛ دالا على أصل ما دل عليه الأعلم.
فإن قيل : ما ذكرتموه مبنى على صحة قولهم : أجسم لغة. وقد سئل ابن دريد (٣) عن لفظة أجسم فقال : لا أعرفه ، فدلّ ذلك على أنه ليس من وضع اللغة.
__________________
(١) لتوضيح آراء المتكلمين فى الجسم بالتفصيل راجع مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٤ ـ ٨ فقد وضح فيه آراء المتكلمين فى الجسم ، وذكر أنهم اختلفوا فى الجسم ما هو على اثنتى عشرة مقالة.
وانظر الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ٤٠١ وأصول الدين للبغدادى ص ٣٨ وما بعدها والمواقف لعضد الدين الإيجى ص ١٨٣ ـ ١٩٩ وشرح المواقف للجرجانى ٦ / ٢٩٣ ـ ٣٠٥ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٣٩. وشرح مطالع الأنظار على طوالع الأنوار ص ١٠٩.
(٢) (وكانت مأخوذة من الجسم) ساقط من ب.
(١١)/ / أول ل ١١ / ب من النسخة ب.
(٣) ابن دريد : (٢٢٣ ـ ٣٢١ ه) (٨٣٨ ـ ٩٣٣ م).
محمد بن الحسن بن دريد الأزدى ، من أزد عمان من قحطان ، أبو بكر ولد بالبصرة. ومن كتبه (الاشتقاق) ، (والجمهرة). توفى ببغداد سنة ٣٢١ ه. [وفيات الأعيان ١ / ٤٩٧ ، طبقات الشافعية ٢ / ١٤٥].