ثم وإن سلم صحة القدح فى الأجسم جدلا ؛ فلا نزاع فى صحة قولهم فلان جسيم ؛ والمراد به المبالغة فى التأليف ، وكثرة الأجزاء.
وأما السؤال الثانى : فمندفع أيضا. فإنا لا ندعى أن لفظة أفعل للمبالغة مطلقا ؛ بل إذا وردت مقترنة بمن ، وما ذكرناه كذلك بخلاف ما ذكروه من صور الاستشهاد ، [وبتقدير أن لا تكون للمبالغة ؛ فلا تخرج عن كونها دالة على أصل التأليف] (١).
وأما السؤال الثالث : فإنما يلزم أن لو وجب طرد أصول الاشتقاقات ؛ وليس كذلك. ولهذا فإن اسم القارورة : مشتق للزجاجة المخصوصة من قرار المائعات فيها ؛ وما لزم طرد ذلك فى الشربة ، والجرة ، وغير ذلك مما تقر فيه المائعات.
ثم وإن كان ذلك واجبا فى الأصل ؛ غير أنه قد يتخصص اللفظ بعرف الاستعمال ببعض مسمياته لغة : كما فى إطلاق اسم الدابة ؛ فإنه فى اللغة لكل ما يدب ، وإن كان مخصوصا بعرف الاستعمال ، بذوات الأربع ؛ دون غيرها.
وأما السؤال الرابع : فإنما يلزم أن لو كان المطلق لتلك معتقدا أن تأليف الخشبة أقل ، وليس كذلك ؛ بل إطلاق ذلك إنما يصح نظرا إلى اعتقاد أن تأليف الخشبة أكثر ؛ وهذا صحيح بالنظر الى مقصود اللغة ، وإن كان المطلق مخطئا فى ظنه.
كيف وأنه إذا قيل بأن الثقل راجع إلى غرض من الأغراض ؛ فلا يبعد أن يكون تأليف الخشبة وأجزاؤها أكثر ؛ وإن كانت أخف مما قيل إنه أجسم منه.
وإذا عرف موضوع / لفظ الجسم لغة ؛ فقد اختلف الناس فى تحديد الجسم ، ومعناه.
فقال الصالحى من المعتزلة (٢) : الجسم هو القائم بنفسه ؛ وهو منتقض بالجوهر الفرد وبالله ـ تعالى ؛ فإنه قائم بنفسه ، وليس بجسم ، مع أنه مخالف لوضع اللغة ؛ لما تحقق من أن مدلول الجسم ، هو التأليف ؛ ولا تأليف فى الجوهر الفرد ، ولا فى الله ـ تعالى.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) الصالحى من المعتزلة : من مرجئة القدرية. راجع عنه ما مر فى الجزء الأول هامش ل ٨٩ / أوأما عن رأيه : فانظر مقالات الإسلاميين ٢ / ٤ وما بعدها.