وإن كان الانفصال للبعد مع اتصاله ، فمحال أن يكون المتصل من حيث هو متصل منفصلا ، فإذا لا بد وأن يكون قبول الجسم للاتصال والانفصال ، إنما هو خارج عن نفس البعد المفروض.
قالوا : وذلك القابل هو المادة ، وذلك البعد الّذي لا يفارق الجسم / ولا تختلف به الأجسام فيما بينها ؛ هو الصورة الجسمية ؛ فالجسم مركب من المادة والصورة الجسمية ؛ وليس هو نفس البعد كما ذهب إليه ديمقريطس (١) لما حققناه.
قالوا : وليس يتصور تجرد مادة الجسم عن صورته ، ولا الصورة عن المادة فى الوجود ؛ فاستدلوا عليه بأمرين :
الأول : أنه لو تصور تجرد إحداهما عن الأخرى ، فما فرض منهما موجودا مجردا عن الآخر ، كانت المادة ، أو الصورة.
فإما أن يكون مع فرضه كذلك متحدا ، أو متكثرا ، وأى الأمرين قدّر ؛ فهو له لذاته ؛ ضرورة فرضه مجردا عن كل شيء ؛ فلا يتصور عليه غيره ، والوحدة والتكثر عليهما ممكن ؛ فلا تجرد.
الثانى : أنه لو تصور خلو كل واحدة عن الأخرى ، لم يخل : إما أن تكون متحيّزة ، أو غير متحيّزة.
فإن كانت متحيّزة ؛ فإن كانت المادة : فيلزم أن يكون لها بعد ضرورة مطابقتها لبعد الحيّز ، وقد قيل : إن المادة لا بعد لها ؛ بل هى مجردة عن البعد ؛ وهو خلف.
وان كانت هى الصورة ؛ فيلزم قبولها للانفصال ؛ ضرورة مطابقتها للحيّز المنفصل ؛ وهو محال لما سبق.
__________________
(١) ديمقريطيس : وقيل (ديموكريت) ولد فى (أبدير) إحدى المدن الإغريقية حوالى سنة ٤٦٠ ق. م. ولما ترعرع قام بأسفار كثيرة ، ومن أشهر رحلاته رحلته إلى مصر التى استغرقت خمسة أعوام.
أما عن حياته ، ومؤلفاته ، ومذهبه فارجع إلى (الفلسفة الإغريقية للدكتور محمد غلاب ص ١٠٨ ـ ١١٧ ، والملل والنحل للشهرستانى ٢ / ١٠٠ ، ١٠١).