الفصل الثانى
فى أن أبعاد الأجسام متناهية (١)
وإذ بينا وجوب النهاية فى أجزاء الأجسام ؛ وجب أن نبين وجوب النهاية فى أبعادها.
وقبل الخوض فى الحجاج نفيا ، وإثباتا ؛ لا بد من بيان مفهوم النهاية ولا نهاية واختلاف اعتباراته ؛ وتحقيق محل النزاع من ذلك ؛ ليكون التوارد بالنفى والإثبات على محزّ واحد فنقول :
أما النهاية : فإنها قد تقال على حد الشيء وطرفه. وهو ما لو فرض الفارض الوقوف عنده ، لم يجد بعده شيئا آخر ؛ من ذى الطرف : كالنقطة للخط والخط للسطح ؛ والسطح للجسم (٢).
وأما لا نهاية : فقد يقال على ما له النهاية ، بالمعنى الّذي أوضحناه باعتبار تعذر الوصول إليه بالحركة ، والانتقال.
إما لعدم القدرة على ذلك الامتداد الكائن بين السماء والأرض.
وإما لما يلحق المتحرك فى ذلك من العسر ، والمشقة : كالمسافات المتباعدة بين البلدان التى لا تنال إلا بشق الأنفس ، ولا نهاية بهذا الاعتبار فمجازى ، وليس بحقيقى.
وقد يقال لا نهاية ، على / ما لم يكن له الطبيعة القابلة للنهاية كما يقال : لا نهاية لذات الله تعالى.
وقد يقال لا نهاية ، على ما طبيعته قابلة للنهاية ، ولا نهاية له اعتبار أمر خارج ؛ لكن منه ما يمكن وقوع النهاية فيه : كالفعل بفرض الفارض ، ومنه ما ليس كذلك.
فالأول : كالسطح المحيط بالكرة ، والخط المحيط بالدائرة ؛ فإنه إن قيل لا نهاية لهما ؛ فليس إلا باعتبار أنّه ليس فيهما مقطع بالفعل. وإلا فما من نقطة تفرض فى الخط
__________________
(١) انظر المواقف للإيجي ص ٢٥٣ المقصد السابع. وشرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٤٣ ـ ٢٥٠. المقصد السابع : الأبعاد متناهية سواء كانت فى ملاء أو خلاء.
(٢) عرف الآمدي الخط والسطح فقال : «فأما الخط : فعبارة عن بعد قابل للتجزئة فى جهة واحدة فقط».
وأما السطح : فعبارة عن بعد قابل للتجزئة فى جهتين متقاطعتين فقط» [المبين للآمدى ص ١١٠ ، ١١١].