وربما قرروا ذلك من جهة أخرى مع قطع النظر عن تطابق الطرفين المتناهيين بأن قيل ما فرض اقتطاع الجزء منه : إما أن يكون مساويا للبعد الآخر ، أو أنقص منه.
الأول : محال وإلا كان الناقص مساويا للزائد. وإن كان أنقص منه : فالآخر زائد عليه بأمر متناه وهو مقدار الجزء الّذي فرض قطعه ، ولا بد وأن تكون لتلك الزيادة نسبة إلى كل واحد من البعدين بجهة من جهات النسب ، ويلزم من ذلك أن يكون كل واحد منهما معدودا بأمثال تلك الزيادة عدّا متناهيا / وكل ما عدّ بأمثال المتناهى عدّا متناهيا ؛ فهو متناه ؛ وفيه نظر.
إذ لقائل أن يقول : ما ذكرتموه إنما يصح أن لو أمكن فرض الانطباق بين الطرفين (١) المتناهيين بتقدير اقتطاع الجزء من أحدهما ، وهو غير مسلم ؛ لأن الانطباق بين الطرفين إما أن يكون بتحريك الأقصر لحمله بالحركة الانتقالية حتى يطابق طرفه المتناهى للطرف المتناهى من الأطول ، وإما بحركة النمو (٢) والتخلخل ، وإما بأن يوجد بالتوهم من الناقص مقدارا معلوما ، ومثله من الزائد ثم كذلك إلى غير النهاية ، وإما بمعنى آخر.
فإن كان الأول : فقد خلا مكان الطرف الّذي لا نهاية له منه بجر الطرف المتناهى ، ولزم أن يكون له طرف ونهاية من الجهة التى قيل هو غير متناه فيها ؛ وهو مستحيل فى ما لا نهاية له.
وإن كان الثانى : فهو غير مفيد ؛ لتماثلهما وعدم النقصان فى أحدهما.
وإن كان الثالث : فإنما تلزم المساواة بينهما فى التعدية من جهة عدم النهاية أن لو لزم من المساواة بينهما فى أن لا نهاية لأعداد المقادير المفروضة المساواة فى عددها ؛ وهو غير مسلم.
ولهذا فإن أعداد عقود العشرات مساوية لأعداد عقود المئات [فى أن لا نهاية لها إمكانا ، وإن كانت أعداد العشرات أكثر من أعداد المئات] (٣) وكذلك على رأى المتكلم ، فإن أعداد معلومات الله تعالى مساوية ، لمقدوراته فى لا نهاية.
__________________
(١) عرف الآمدي الطرف فقال : «وأما الطرف : فعبارة عما يقع انتهاء الاستحالة فيه ، أو فى ما قام به عليه» [المبين للآمدى ص ٩٨].
(٢) النمو : عرف الآمدي النّمو فقال : «وأما النمو : فعبارة عن زيادة أقطار الجسم بما يرد عليه من الغذاء ويستحيل شبيها» [المبين للآمدى ١٠١].
(٣) ساقط من أ.