وإذا كانا بالفرض غير متناهيين ؛ فلا بد وأن يكون بينهما ـ على ما يأتى ـ انفراج غير متناهى ؛ فلو قدّر حركة أحدهما إلى الآخر [أو حركة من أحدهما (١) إلى الآخر] للزم أن يقطع بالحركة ما لا نهاية له ، فى زمن متناه ؛ وذلك محال.
المسلك الثالث : أنه لو قدر بعد غير متناهى ؛ لأمكن تشطيره إلى أشطار كل واحد منها غير متناهى ، ويلزم منه تضعيف ما لا نهاية له ؛ وهو محال ؛ وهو فاسد أيضا.
فإنه إنما يلزم تضعيف ما لا يتناهى ، بتشطير ما لا يتناهى أن لو كان كل واحد من شطريه غير متناه من كلا طرفيه. وإذا كان متناهيا منه جهة تشطيره غير متناهى من الجهة الأخرى ؛ فالإحالة فيه غير مسلمة.
المسلك الرابع : وهو مناسب لأصول الفلاسفة وهو أنهم قالوا : لو قدر جسم لا نهاية له فما من جزء يفرض منه إلا ويجب أن يكون ساكنا فى كل مكان ، ومتحركا إلى كل مكان.
إذ كل مكان يقدّر ؛ فهو طبيعى (٢) له ؛ ومحال أن يكون الشيء ساكنا ، ومتحركا معا ؛ وهو غير سديد أيضا. إذ هو مبنى على أن كل جسم ؛ فلا بد له من مكان طبيعى ، وسيأتى إبطاله (٣) ، وبتقدير التسليم ، فما ذكروه لازم عليهم فى الجسم المتناهى.
فإنه إذا كان فى مكانه الطبيعى لكله. فإنه ما من جزء يفرض منه إلا ونسبته إلى جميع أجزاء مكان كله نسبة واحدة ؛ وهو طبيعى له.
فكان يجب أن يكون كل واحد من أجزائه ، ساكنا فى كل أجزاء مكان كله ، ومتحركا إلى كل واحد منها ؛ وهو أيضا محال.
ولو كان ذلك حقا ؛ لما وجد / جسم لا متناهيا ولا غير متناهى إلا وأجزاؤه ساكنة فى كل جزء من أجزاء مكانه ومتحركا إليها ، وهو محال.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) عرف الآمدي الطبع والطبيعة فقال : «وأما الطبع والطبيعة : فعبارة عما يوجد فى الأجسام من القوى التى هى مبادي حركاتها من غير إرادة : سواء كان ما يصدر عنها من الفعل على نهج واحد : كالقوة المحركة للحجر فى هبوطه. أو مختلفا : كالقوة المحركة للنبات فى تكوينه ونشوء فروعه.
وربما قيلت الطبيعة : على ما كان من الصفات الأولية لكل شيء : كالحرارة بالنسبة إلى النار. وعلى أغلب الكيفيات المتضادة فى الأشياء الممتزجة».
[المبين للآمدى ص ٩٤].
(٣) انظر ما سيأتى فى الفصل الخامس ل ٣٠ / أوما بعدها.