فما هو الاعتذار عنه فى الأجسام المتناهية يكون الاعتذار عن الجسم الّذي لا نهاية له.
المسلك الخامس : فيما ذكره الفلاسفة أيضا أنهم قالوا : لو كان الجسم لا نهاية لبعده ؛ لما تصوّر عليه ولا على جزئه حركة طبيعية ؛ واللازم ممتنع.
أما أنه لا يتصور عليه الحركة ؛ فلأن الحركة : إما مكانية ، أو وضعية. لا جائز أن تكون مكانية ؛ بحيث تستبدل بحركته مكانا بمكان.
أما إذا كان غير متناه من جميع الجهات ؛ فلأنه لا يخلو منه مكان. وأما إذا كان متناهيا من جهة دون جهة ؛ فانتقاله لا بد وأن يكون من الجهة التى هو غير متناه فيها إلى الجهة التى هو متناه بالنسبة إليها ؛ فإنه لا حركة له إلى جهة هو فيها.
وعند ذلك : فإما أن يخلو منه مكانه ، أو لا يخلو منه مكانه.
لا جائز أن يقال بالأول : وإلا فقد صارت الجهة الغير متناهية متناهية.
وإن كان الثانى : فليست الحركة مكانية ؛ بل إما أن يتخلخل أو ينمو ، وليس الكلام فيه.
وأما الوضعية : فهى الحركة الدورية على حركة نفسه ، فلأنه لا يخلو إذا تحرك : إما أن تتم الدورة ، أو لا تتم. فإن تمت الدورة ؛ لزم ما قيل من تلاقى الخطين. وهما المفروض غير متناه خاليا من العالم ، والخطّ الدائر عليه.
وإن لم تتم الدورة ؛ فلا يخلو. إما أن يكون تتميمها مستحيلا ، أو ممكنا. فإن كان مستحيلا : كان الجزء منه أن يتحرك قوسا ولا يكون له أن يتحرك قوسا أخرى ؛ وذلك مع اتحاد حقيقة المتحرك ، وتشابه الأقواس والأحوال كلها مستحيل.
وإن كان ممكنا أمكن فرضه ؛ ويلزم منه المحال المتقدم. وأما أنه لا حركة لأجزائه طبعا ، فلأنه لا يخلو ذلك الجسم من أن يكون غير متناه من جميع الجهات أو من جهة دون جهة.
فإن كان الأول : فليس لأجزائه موضع مطلوب بالحركة (١) ، هو مخالف لمبدإ الحركة.
__________________
(١) الحركة : عرف الآمدي الحركة فقال : «وأما الحركة فعبارة عن كمال بالفعل لما هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة ؛ لا من كل وجه ؛ وذلك كما فى الانتقال من مكان إلى مكان ، والاستحالة من كيفية إلى كيفية» [المبين للآمدى ص ٩٥].