فإن كان الأول : استحال تواطؤ الخلق العظيم ـ مع اعتقادهم صدق الرسول ـ على تكذيبه ؛ إذ هو خلاف العادة.
وإن كان الثانى : فلا يكون ذلك مانعا من إشاعته ، والتّذاكر به.
وأما القول بأن جهة الإعجاز فيه النظم ، والبلاغة : فباطل أيضا : لأنه قد بان امتناع كون كل واحد منهما معجزا ، وضم ما ليس بمعجز إلى ما ليس بمعجز ؛ لا يوجب الإعجاز فيه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون القرآن معجزا ؛ غير أنه معارض بما يدل على عدم إعجازه ؛ لأنه لو لكان معجزا ؛ لكان معجزا لكونه خارقا للعادة ، ولو كان معجزا لكونه خارقا للعادة ، لكان ما ظهر من العلوم الرياضية : كالهندسية ، والحسابية ، وغيرها من العلوم التى لم تكن معتادة قبل ظهورها ، معجزات. وأن تكون دالة على صدق من أتى بها عند دعواه الرسالة ، ولم يقولوا به.
سلمنا أنه معجز ، وأنه لم يظهر إلا على يده ؛ ولكن لا نسلم دلالته على صدقه ؛ لأنه من الجائز أن يكون قد حصل ذلك له قبل الرسالة ، ودعوى النبوة ولم يظهره. فإنه لا مانع على أصلكم من إجراء الخوارق على يد من ليس بنبي. وعلى تقدير جواز تقدمه على التحدى يخرج عن أن تكون دالة على صدقه من حيث إن المعجزة إنّما تدل من جهة كونها نازلة منزلة التصديق من الله ـ تعالى ـ له بالقول ، وما يكون / موجودا قبل التحدى لا ينزل هذه المنزلة.
وأما ما ذكرتموه من باقى المعجزات : فكلها منقولة على لسان الآحاد ؛ فلا تكون الحجة قائمة بها فى القطعيات (١).
كيف وأنها لو كانت واقعة مع كونها من خوارق العادات ؛ لاشتهرت ، وشاعت وذاعت على لسان أهل التواتر ، على ما جرت به العادة فى نقل كل ما يخالف العادة. فحيث لم يكن كذلك ؛ دل على أنها لم تقع.
__________________
(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة : بأن كل واحد منها وإن كان أصل خبره آحادا غير أن جملتها تنزلت منزلة التواتر وتكون موجبا لحصول العلم بصدور المعجزات عنه ، وظهورها على يده ، وإن كان نقل كل حالة منها على لسان الآحاد (انظر ل ١٦٤ / أ).