وأما ظن المعارضة بالقصائد العربية ، فظن من لا تحصيل لديه.
فإنا قلنا : إنّ وجه الإعجاز فى القرآن : إنّما هو مجموع النظم البديع ، والبلاغة وما يشتمل عليه من الأخبار عن الغيب.
وما قيل من القصائد فإنها وأن قدر اشتمالها على البلاغة مع الإحالة ، فغير مشتملة على مثل نظم القرآن ، والإخبار عن الغيب ، ولا يخفى أن من تحدى بقصيدة بليغة وأتى غيره بنثر مساو لقصيدته / / فى البلاغة دون النظم بأن أتى بخطبة ، أو رسالة ؛ فإنه لا يعد معارضا له في نظر أحد من أرباب أهل الأدب.
وأما ما نقل من معارضات ابن المقفع (١) ، والمعرّى (٢) وغيرهما من المتأخرين / فإنه لم يبلغ من البلاغة ، وتناسب الكلام مبلغ القرآن ، وبتقدير بلوغه ذلك فى النّظم ، والبلاغة فغير مشتمل على أخبار الغيب ، وبتقدير اشتماله على ذلك مع الإحالة ؛ فليس من شرط دلالة المعجزة على صدق الرسول أن لا يوجد مثلها فيما يستقبل من الأزمنة المتأخرة عن زمان الرسول ؛ بل شرط ذلك اعجاز من فى زمنه عنه لا غير.
قولهم : سلمنا أن المعارضة ما ظهرت. ولكن لا يلزم من عدم ظهورها عدمها.
قلنا : لو وجدت لظهرت على ما قررناه فى الأصل الثالث (٣).
وأما ما ذكروه من باقى معجزات النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والتسمية والتثنية في الإقامة فغير لازم ، فإنا ما ادعينا لزوم اشتهار الأمور العظيمة اشتهارا لا خلاف فيه ؛ بل المدعى لزوم أصل الاشتهار وإن كان مختلفا فيه ، وما ذكروه من الإلزامات ؛ فلا يخفى اشتهارها ونقلها فى الجملة.
قولهم : احتمال وجود المانع من الاشتهار موجود على ما قرره ؛ فقد سبق جوابه فى الأصل الثالث أيضا.
قولهم : سلمنا أن المعارضة لم توجد ، ولكن لا نسلم دلالة ذلك علي عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن.
__________________
/ / أول ل ٩٠ / ب.
(١) ابن المقفع : سبقت ترجمته فى هامش ل ١٥٧ / أ.
(٢) المعرى : راجع ترجمته فيما سبق هامش ل ١٥٧ / أ.
(٣) انظر ما مر فى الأصل الثالث ل ١٤٦ / أ.