قلنا : لو لم يعجزوا لأتوا بالمعارضة لما سبق تحقيقه.
قولهم : من الجائز أن يكون اظهارهم للعجز لما كانوا يبتغوه من الملك ، والاستيلاء ، سبق جوابه أيضا فى الأصل الثالث.
قولهم : يحتمل أنهم تركوا معارضته لعدم اكتراثهم به وظنهم أن ذلك أبلغ فى إبطال دعوته ؛ ليس كذلك.
فإنه ـ عليهالسلام ـ ما زال يقرعهم بالغى ، والنسبة إلى العجز عن مثل ما أتى به فيما ذكرناه من آيات التحدى مع أن العرب قد كانت فى محافلها تتفاخر بمعارضة الشعر وتتفاضل فى مجالسها بمقابلة النثر ، ولا محالة أن القرآن فى نظر من له ذوق من العربية ونصاب من الأمور الأدبية ، لا يتقاصر عن فصيح أقوال العرب ، وبديع فصولهم فى النظم والنثر والخطب ، فكيف يخطر بعقل عاقل ، أو توهم متوهم أن العرب مع رزانة عقولهم ومعرفتهم أنهم تركوا معارضة القرآن ، لعدم الاحتفال به ، واهماله وسواء كان الآتى به نبيها بينهم ، أو خاملا.
كيف وأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يزل قبل ظهور كلمته ، وانتشار دعوته معظّما مبجّلا بينهم ، معروفا بالصّدق ، والعفاف ، والتصوّن عن الرذائل حتّى أنّهم كانوا يسمّونه الأمين ، ولا سيما وقد كان من أصل أصيل وعنصر أثيل ، وفى كل وقت أمره يزيد ، وشأنه يعظم ، ومن هذا شأنه ، فلا يخطر فى العقول ترك معارضته ؛ لعدم / الاحتفال به.
قولهم : يحتمل أنهم ظنوا أن دفعهم له بالقتال أقضى إلى مطلوبهم ، ليس كذلك لوجهين :
الأول : أنا قد بيّنا أن كل من تحدى بأمر يروم به التميّز على أقرانه ، وأبناء زمانه ، أنّ العادة تحيل أن لا يعارض بمثل ما أتى به بتقدير أن يكون ذلك مقدورا حتى إنّ مثل ذلك جار بين الصبيان فى ملاعبها ، وأرباب الحرف فى حرفها ، فما ظنك بمن يدعى أمرا عظيما ، وخطبا جسيما ، يروم به انقلاب الدول ، وتبدل الملل ، والاحتواء على الممالك ، وجر الناس بمخالفته إلى المهالك ، وبموافقته إلى ذلة النفس والاحتكام على الخاص والعام ، وفى معارضته بمثل ما جاء به دفع هذه المضار ، ودرء هذه الأخطار.