الثانى : هو أن الحرب مع ما تشتمل عليه من مقاسات الشدائد ، وممارسة الأهوال ، وبذل المهج والأموال ، واحتمال الخطر ، وعدم الظفر غير مبطلة لحجته ، والآية الدالة على صدقه فى دعوته ، واجتماع الناس على كلمته ، واعتقادهم صدق مقالته ، بخلاف معارضة كلام بكلام ولا سيما فى حق بلغاء العرب الذين صفت قرائحهم ، وتدفقت ينابيع بلاغتهم ؛ فلا يتصور فى حقهم العدول فى تحصيل غرضهم ، ودفع الضرر عنهم من المعارضة بالكلام مع القدرة عليه ، إلى ما هو أشدّ منه ، وأقلّ افضاء إلى تحصيل مقصودهم. كيف وهو على خلاف المألوف / / المعروف من عادة العقلاء ، وأهل العرف فى العدول عن معارضة من تحدّى بأمر إلى مقابلته ، ومخاصمته.
قولهم : يحتمل أن يكون عدولهم عن المعارضة خوفا من استرابة بعض الناس فى الاعجاز ، عنه جوابان : ـ
الأول : أن مراتب البلاغة معلومة لأرباب الألباب مضبوطة عند ذوى الآداب ، والمقصود من المعارضة ليس إلا تحقق المماثلة عند صدور أهل الأدب ، وبلغاء العرب ، لا عند الهمج الرعاع ، ومن هو معدود من الحثالة والأتباع ، فلو كانوا قادرين على المعارضة ؛ لأتوا بها نظرا إلي حصول هذا المقصود بالنسبة إلى بلغاء العرب. إذ هو غاية المطلوب من المعارضة ، وما كلّفوا به. وسواء حصل اللبس عند من لا يؤبه له ، أم لا.
كيف وأن أطراف الناس ، ومن لا حظ له من المعرفة تبع لأشرافهم فإذا رأوا تصميم الأشراف على الحكم بالمماثلة ، كانوا تبعا لهم فى ذلك ؛ فلا يحصل لهم الاسترابة فى تفضيل القرآن.
الثانى : أن العادة جارية فى مثل هذه الأمور بالمبادرة إلى المعارضة على ما قررناه ، وبتقدير الإتيان / بالمعارضة غايته وقوع الاسترابة لبعض الناس فى تفضيل القرآن دون البعض ، وبتقدير أن لا يعارض فعجزهم يكون ظاهرا بالنسبة إلى كل أحد نظرا إلى مقتضى العادة والعاقل لا يهرب من أدنى المحذورين ، ويقع فى أعلاهما.
__________________
/ / أول ل ٩١ / أ.