قولهم : إن العرب كما دعوا إلى النّظر فى معجزاته ؛ فقد دعوا إلى النظر فى آيات الوحدانيّة وغير ذلك ، ولم يدل تركهم النظر فى دلائل الوحدانية على العجز عن معرفتها ، والنظر فيها ؛ فكذلك المعجزة.
قلنا : طرد هذا القياس ، والتسوية بين البابين ممتنع ، إذ العادة على ما حققناه فى باب التحدى الابتدار إلى المعارضة مع القدرة عليها ، بخلاف المسائل العقلية ، والأمور النظرية ؛ فإن العادة غير جارية بالتوافق على الحق فيها ؛ بل العادة جارية بالاختلاف ، ومخالفة الحق بناء على شبهة ، أو تقليد.
وعند ذلك : فلا يلزم من القول بعدم التعجيز فيما يمكن تركه على وفق العادة ، القول بعدم التعجيز فيما تركه على خلاف العادة.
قولهم : لم يعلموا وجه التحدى هل هو بالبلاغة ، أو النظم ، أو غيره ، ليس كذلك ، فإن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تحدى عليهم بالقرآن ، وتعجيزهم عن الإتيان بمثله ، فإذا كان القرآن مشتملا على صفات فالمماثل لا بد وأن يكون على صفات الممثل ؛ وإلا فلا مماثلة.
ولهذا فإن من تحدى بقصيدة من الشعر ، وعجز الناس عن الاتيان بمثلها ، وكانت مشتملة على البلاغة والنظم الخاص فمن عارضه بخطبة أو رسالة وإن كانت مساوية لقصيدته فى البلاغة ، لا تكون مماثلة لها ولا معارضة ، وكذلك لو عارضه بقصيدة مساوية لنظمها غير مساوية لبلاغتها. ويدل على ذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أطلق التحدى بالقرآن ، والتعجيز عن الإتيان بمثله مع عدم استفهام العرب عن وجه التحدى ، ولو كان وجه التحدى غير معلوم للعرب ؛ لكونه محتملا مترددا ؛ لبينه النبي ، ولاستفهمت منه العرب مع طول المدة ، وتقريعهم بالعجز.
قولهم : إنما لم يعارضوه فى ابتداء الأمر لضعفه ، وفى انتهائه خوفا منه ، ومن أصحابه.
قلنا : أما عدم المعارضة فى ابتداء أمره لضعفه ؛ فقد سبق الجواب عنه.
وأما عدم معارضته بعد قوته ، وظهور شوكته ؛ فباطل أيضا لأنه لو أمكن وجود المعارضة لوقعت بالنظر إلى العادة ومقتضى الطباع ، ولو وقعت لنقلت ، واشتهرت فى غير