وبالجملة : فالكلام فيما ليس بكبيرة. ولا هو نازل منزلة الكبيرة نفيا وإثباتا غير بالغ مبلغ القطع ؛ بل هو من باب الظنون ، والاجتهادات. والاعتماد فيه إنما هو على ما يساعد من الأدلة الظنية. والكلام فى طرفين : الأول فى جواز ذلك بطريق النسيان ، والثانى فى بيان جوازه بطريق العمد.
الطرف الأول : فى بيان جواز النسيان على الأنبياء ـ عليهمالسلام.
أما من جهة العقل : فلأنا لو فرضنا وقوعه منهم. لم يلزم عنه المحال لذاته. وأنه لا فرق بين النبي وغيره ، إلا فى قيام المعجزة الدالة على صدقه فى دعواه الرسالة ، وما فرض الكلام فيه ؛ فلا دلالة للمعجز على عصمته ؛ فكان صدوره عنه كصدوره عن غيره.
وأما من جهة السمع : فما اشتهر عنه ـ عليهالسلام ـ من نسيانه فى الصلاة ، وتحلله عن ركعتين فى الرباعية / فى قصة ذى اليدين وقول ذى اليدين له أسهوت يا رسول الله أم قصرت الصلاة؟ فقال النبي ـ عليهالسلام ـ أحقا ما يقول ذو اليدين ، قالوا : نعم يا رسول الله (١).
وأيضا ما اشتهر عنه ـ عليهالسلام ـ وهو يقرأ فى الصلاة (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (٢) أنه قال : «إنهن عند الله من الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى» ولم يكن ذلك إلا عن غفلة ونسيان ، لاستحالة كلمة الكفر فى حقه.
ويدل عليه من الكتاب قوله ـ تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) (٣) وقوله ـ عليهالسلام ـ : «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكرونى» (٤).
__________________
(١) ورد فى موطأ الإمام مالك : ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا :
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس نعم ؛ فقام رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فصلى ركعتين أخريين ، ثم سلم ، ثم كبر ؛ فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع ، ثم كبر فسجد مثل سجوده ، أو أطول ، ثم رفع.
[موطأ الإمام مالك ١ / ٨٧ ، ٨٨].
(٢) سورة النجم ٥٣ / ١.
(٣) سورة الكهف ١٨ / ٢٤.
(٤) أخرجه الإمام البخارى فى صحيحه. كتاب الصلاة ـ باب التوجه نحو القبلة حيث كان ١ / ٦٠٠ حديث رقم ٤٠١ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه [فتح البارى بشرح صحيح البخارى ط دار الريان بمصر].
كما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه : كتاب المساجد ـ باب السهو فى الصلاة والسجود له ١ / ٤٠٠ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ط. عيسى الحلبى. ت : محمد فؤاد عبد الباقى.
وأخرجه الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ـ الركن الثالث فى دوام التوبة ٨ / ٥٩٢ وعزاه إلى مالك فى الموطأ بلاغا دون سند. ط : دار إحياء التراث العربى ـ بيروت. لبنان.