وقد احتج أصحابنا بحجج كثيرة غير أنا نقتصر من ذلك على ما هو الأقرب ، والأشبه وهو عشرون حجة متفاوتة فى القوة ، والرتب.
الحجة الأولى : هى أن آدم (١) ـ عليهالسلام ـ عصى ، وارتكب الذنب ، وذلك لا يخلو : إما أنه كان فى حالة النبوة ، أو قبلها.
فإن كان فى حالة النبوة ، فقد ثبت أن النبي غير معصوم.
وإن كان ذلك قبل النبوة. وهو الأظهر لقوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) مترتبا على قوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٢) فدل على أن الاجتباء إنما كان بعد المعصية ؛ لكنه حجة على الروافض حيث قضوا بوجوب عصمة النبي قبل نبوته.
__________________
(١) آدم عليهالسلام : هو أبو البشر عليهالسلام وقصته البشرية بأسرها وحياته هى حياة هذا الوجود بأكمله.
وقد حدثنا القرآن الكريم عن خلق آدم عليهالسلام ، وأنه أول مخلوق من البشر ظهر على وجه الأرض ؛ فهو أبو الخلائق وإليه ينتمى جميع سكان الأرض ، فهو خليفة الله فى الأرض قال ـ تعالى ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) سورة البقرة ٢ / ٣٠ وقد كرّمه الله وكرم ذريته (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) الإسراء ١٧ / ٧٠. وقد خص الله آدم بأربعة أمور هى آية الفضل وعنوان الشرف الرفيع.
فقد خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه الأسماء كلها. وقد جاء فى الحديث الشريف ما يؤيد هذه الأمور فى قصة موسى مع آدم عليهماالسلام ، فقد قال موسى لآدم (يا آدم أنت أبو البشر ، الّذي خلقك بيده ، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، ما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ...)
وكان عليهالسلام نبيا رسولا على أرجح الآراء قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) سورة آل عمران ٣ / ٣٣.
وقد أهبطه الله إلى الأرض ليؤدى المهمة التى خلق من أجلها (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بعد أن اجتباه وتاب عليه وهداه (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) فالعالم بدأ بتوبة آدم واجتباء الله له وهدايته. ولم يبدأ بالمعصية كما يقول بعض الكافرين. وقد عاش آدم عليهالسلام فى الأرض ألف عام ثم مات ودفن بجبل أبى قبيس بمكة على بعض الآراء رحم الله أبانا آدم وجمعنا به فى جنة الخلد آمين [قصص الأنبياء لابن كثير ص ٩ ـ ٦٢ ، والنبوة والأنبياء ص ١٠٩ ـ ١٣١].
(٢) سورة طه ٢٠ / ١٢١ ، ١٢٢. ولمزيد من البحث والدراسة فيما ورد فى كتب التفسير والعقيدة عن معنى عصيان آدم وارتكابه للذنب : انظر الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل للزمخشرى ٢ / ٥٥٧ ط دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
وتفسير الفخر الرازى المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب ـ طبع دار الفكر بلبنان سنة ١٩٨١ م ٢٢ / ١٢٧ ـ ١٢٩.
وتفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن ط دار الريان للتراث بمصر ٦ / ٤٢٩٥ ـ ٤٢٩٧.
ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٤٩٦ ط : دار القرآن ببيروت ـ لبنان.
وقصص الأنبياء لابن كثير ص ٢٤ ـ ٣١ ففيه نقول مهمة وتوضيحات مفيدة.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٣٨ ـ ١٤٠.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١١.