الثانى : أنه أخبر بذلك على ظن [فى حالة فكره ونظره ، ومن أخبر عن شيء فى حالة فكره ونظره] (١) ثم رجع عنه بالأدلة إلى الحق لا يوصف بكونه كاذبا ، ولا يعد ما أخبر به قبيحا.
والجواب :
قولهم : إنه ذكر ذلك بطريق الاستفهام :
قلنا : الأصل أن ما ورد على صورة الخبر أنه يكون خبرا ، فإن حمله على هذا الاستفهام يستدعى اضمارا فى الكلام لحرف الاستفهام. ولا يخفى أن الإضمار فى الكلام على خلاف الأصل ، وإنما يصار إليه لدليل ولا دليل.
ولا يمكن حمله على الاستفهام ؛ لنفى الكذب عنه ؛ لإفضائه إلى الدور من حيث أن يتوقف حمله على الاستفهام على إحالة الكذب عليه ، وإحالة الكذب عليه ، متوقفة على حمله على الاستفهام ؛ وهو محال.
وعلى هذا : فقد خرج الجواب عما ذكروه من التأويل الثانى.
قولهم : إنه أخبر بذلك على مذهب قومه ؛ فهو بزيادة إضمار فيما أخبر به ، والأصل عدمه ، إلا أن يدل الدليل عليه ، ولا دليل على ما سبق فى التأويل الأول.
قولهم : إنه أخبر بناء على ظنه.
قلنا : إذا كان ظانا أن الكواكب ربه ؛ فقد اعتقد فى حالة ظنه إلها غير الله ـ تعالى ـ وهو شرك لا محالة ، وإن لم يعد فى العرف كاذبا فى إخباره.
الحجة الخامسة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن إبراهيم لما قال له قومه وقد كسر الأصنام بقوله ـ تعالى ـ (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ ٦٢ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (٢).
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) سورة الأنبياء ٢١ / ٥٨ ـ ٦٣. ولمزيد من البحث والدراسة انظر من كتب التفسير والعقيدة.
تفسير الكشاف للزمخشرى ٢ / ٥٧٦ ـ ٥٧٨ ، وتفسير الفخر الرازى ٢٢ / ١٨٢ ـ ١٨٦. وتفسير القرطبى ٦ / ٤٣٣٧ ـ ٤٣٤٢ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٥١٢ ، ٥١٣. وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٣. وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٢.