«لم يكذب إبراهيم ـ عليهالسلام ـ غير ثلاث مرات وكلهن جادل بهنّ عن دينه وهى قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) (١) وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) وقوله لسارة : هذه أختى لجبار رام أخذها (٢).
الحجة السادسة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ :
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ٨٨ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٣).
ووجه الاحتجاج به : ما روى أهل التفسير أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كان من أهل بيت ينظرون فى النجوم. وكان إذا أراد أحدهم أمرا ، نظر إلى السماء فيقول : إنى أرى أنه يصيبنى كذا ، وكذا وكان ذلك معروفا من أهل بيته ، وأنه كان لقومه عيد يخرجون إليه ، ولا يخلفون بعدهم إلا مريضا ، فلما همّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بكسر أصنام قومه ، نظر إلى السماء ليلة ذلك العيد ، وقال لأصحابه : إنى أرانى أشتكي غدا ، وذلك قوله ـ تعالى ـ (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ٨٨ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) : أى مريض وأنه أصبح من الغد معصوب الرأس ، لتتميم ما فى نفسه من كسر الأصنام ، وكان كاذبا فيه ، ويدل عليه قوله ـ عليهالسلام ـ لم يكذب إبراهيم أكثر من ثلاث مرات على ما بيناه ، وبه درء / كل تأويل يقال هاهنا ، وذلك إما أن يكون فى حالة النبوة ، أو قبلها ؛ وعلى كلا التقديرين ؛ فهو حجة على الخصوم.
__________________
(١) سورة الصافات ٣٧ / ٨٩.
(٢) أخرجه البخارى فى صحيحه (كتاب الأنبياء ـ باب : واتخذ الله إبراهيم خليلا ٦ / ٤٤٧ ح رقم (٣٣٥٧) عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لم يكذب إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلا ثلاث كذبات والحديث رقم (٣٣٥٨) عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : ولم يكذب إبراهيم عليهالسلام ـ إلا ثلاث كذبات اثنتين منهن فى ذات الله عزوجل : قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) وقال : بينما هو ذات يوم وسارّة إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال :
من هذه؟ قال : أختى ـ فأتى سارة قال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيرى وغيرك. وإن هذا سألنى عنك ؛ فأخبرته أنك أختى ؛ فلا تكذّبينى. فأرسل إليها.
فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ : فقال : ادعى الله لى ولا أضرك ؛ فدعت الله ؛ فأطلق ثم تناولها الثانية ؛ فأخذ مثلها ، أو أشد. فقال : ادعى الله لى ولا أضرك ؛ فدعت فأطلق. فدعا بعض حجبه فقال : إنكم لم تأتونى بإنسان ، إنما أتيتمونى بشيطان ، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلى ، فأومأ بيده : مهيم؟ قالت : رد الله كيد الكافر ـ أو الفاجر ـ فى نحره ، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة : تلك أمكم يا بنى ماء السماء».
(٣) سورة الصافات ٣٧ / ٨٨ ، ٨٩. ولمزيد من البحث والدراسة انظر تفسير الكشاف للزمخشرى ٣ / ٣٤٤ ، وتفسير الفخر الرازى ٢٦ / ١٤٥ ـ ١٤٨. وتفسير القرطبى ٨ / ٥٥٣٦ ـ ٥٥٤٠ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٤ ، ١٨٥.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٣ ـ ١٤٤. وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٢.