الفصل الأول
فى تحقيق معنى المعجزة (١)
والمعجز فى اللغة : مأخوذ من العجز ، وفى / / الحقيقة لا يطلق على غير الله ـ تعالى ـ لكونه خالق العجز ، وتسمية غيره معجزا : كفلق البحر ، وإحياء الميت ، وإبراء الاكمه ، والأبرص ، فإنما هو بطريق التّجوّز ، والتّوسّع حيث أنّه ظهر تعذّر المعارضة ، والمقابلة من المبعوث إليه عند ظهوره وإن لم يكن هو الموجب لذلك ؛ تسمية للشّيء بما يدانيه ، وما هو منه بسبب : وذلك كما فى تسمية مخلوقات الله ـ تعالى ـ دلالة عليه ؛ لظهور المعرفة بالله ـ تعالى ـ عند ظهورها ، وإن لم تكن فى الحقيقة دالّة ، إذ الدّال فى الحقيقة هو ناصب الدّليل وهو الله ـ تعالى ـ ، والمخلوقات إنّما هى أدلّة.
ثم الخارق الّذي يتعذّر الإتيان به قد يكون غير مقدور للبشر : كخلق الأجسام ، والألوان ، وإحياء الموتى ، ونحو ذلك ؛ (٢) فلا يكون ذلك فى الحقيقة معجوزا عنه بالنّسبة إليهم ؛ فإنّ ما ليس بمقدور لا يكون معجوزا عنه (٢).
وقد يكون مقدورا لهم : كما لو كان تحدّيه بأنهم لا يتحرّكون فى وقت كذا. ولو أرادوا ذلك ؛ لما وجدوا إليه سبيلا. فكيف يكون ذلك معجوزا عنه بالنسبة إليهم.
وعلى هذا فالعبارة الوافية بغرض المتكلم فى المعجزة : إنها عبارة عن كل ما قصد به إظهار صدق المدّعى للرّسالة عن الله ـ تعالى.
__________________
(١) لا خفاء أن حقيقة الإعجاز إثبات العجز. استعير لاظهاره. ثم أسند مجازا إلى ما هو سبب العجز ، وجعل اسما له. وذكر إمام الحرمين : أن هاهنا تجوزا آخر بناء على الأصح من رأى الأشعرى ، وهو أن العجز ضد القدرة. وإنما يتعلق بالموجود. حتى إن عجز الزمن عن العقود ، لا عن القيام. ووجه التّجوز على هذا أن المراد بالعجز عدم القدرة ؛ إذ لو حمل العجز على المعارضة على المعنى الوجودى ؛ لوجدت المعارضة الاضطرارية. (هامش شرح المواقف ـ الموقف السادس ـ ص ٥٩) ولمزيد من البحث قارن بما ورد فى : المعنى للقاضى عبد الجبار ١٥ / ٢٠٠ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ١٧١ وما بعدها ، وشرح المواقف الموقف السادس ص ٥٩ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٢١٣ وما بعدها. وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٢٠٠ وما بعدها.
/ / أول ل ٧٠ / أ.
(٢) من أول (فلا يكون ... معجوزا عنه) ساقط من ب.