فكم فيهم من سيّد متوسّع |
|
ومن فاعل الخيرات إن همّ أو عزم (١) |
فرّق بين الهم والعزم ؛ وهو دليل الافتراق فى المعنى.
وقد يطلق الهمّ بمعنى المقاربة ، ومنه يقال همّ فلان بكذا وكذا : أى قارب أن يفعله ، فقد قال ذو الرمة :
أقول لمسعود بجرعاء مالك |
|
وقد همّ دمعى أن تلجّ أوائله (٢) |
وصف الدّمع بالهم ، وأراد به أنه قارب أن يخرج ، لاستحالة العزم على الدّمع.
وقد يطلق الهمّ بمعنى الشهوة ، وميل الطبع ، ولهذا يصح أن يقول القائل : «هذا الشيء من همّى : أى مشتهى لى» وهذا ليس من همّى ، أو هو غير مشتهى لى».
وعلى هذا فليس القول بحمل الهمّ (٣) فى الآية على العزم أولى من غيره من الاحتمالات ، وليس فى باقى الاحتمالات غير العزم معصية.
سلمنا أن الهمّ فى الآية بمعنى العزم ، غير أن ما به الهمّ فى الآية ليس هو نفس ذاتها ؛ لأن الذّوات حالة بقائها لا تتعلق الإرادة بها ؛ بل بفعل فى ذاتها ، وهو غير معين ، ولا مذكور.
وعند ذلك : فليس حمل الهمّ على الفاحشة ، أولى من حملة على غيرها من ضرب امرأة (٤) العزيز ، ودفعها عن نفسه ، أو غير ذلك من ضروب الأفعال التى ليست معصية.
__________________
(١) ديوان كعب بن زهير ص ٧١. وهو كعب بن زهير بن أبى سلمى المازنى ، شاعر من أهل نجد اشتهر فى الجاهلية. ولما ظهر الإسلام هجا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأقام يشبب بنساء المسلمين ؛ فهدر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دمه ؛ فجاءه كعب مستأمنا وقد أسلم ، وأنشده لاميته المشهورة التى مطلعها بانت سعاد فعفا عنه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وخلع عليه بردته. توفى سنة ٢٦ ه. [الأعلام للزركلى ٥ / ٢٢٦ ، معجم المؤلفين ٨ / ١٤٤].
(٢) ديوان ذى الرمة ٢ / ١٢٤٥ واسمه : غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود بن حارثة المضرى ويلقب بذى الرمة ، كان شديد القصر دميما ، وكان مقيما بالبادية توفى بأصبهان سنة ١١٧ ه [تاريخ الاسلام للذهبى ٣ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، معجم المؤلفين ٨ / ٤٤].
(٣) ورد فى المعجم الوسيط (باب) الهاء. (همّ) بالأمر ـ همّا : عزم على القيام به ولم يفعله و ـ لنفسه : طلب واحتال.
و ـ الأمر فلانا : أقلقه وأحزنه.
(٤) امرأة العزيز : واسمها : (راعيل) بنت رمايل ، وقيل : كان اسمها : (زليخا) والظاهر أنه لقبها ، وقيل : (فكا) بنت ينوس. وكانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر ، وقيل : إن يوسف عليهالسلام تزوجها بعد موت زوجها ؛ فوجدها عذراء ؛ لأن زوجها كان لا يأتى النساء فولدت له رجلين هما : أفرايم ومنسا. [قصص الأنبياء لابن كثير ص ٢٣٧ ـ ٢٥١].