الحجة الثانية عشرة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف ، وأبويه ، وأخوته :
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (١).
ووجه الاحتجاج به : أن يعقوب (٢) سجد ليوسف ، ويوسف رضى بسجود أبويه وإخوته له ، والسّجود لغير الله معصية ؛ ففعله معصية ؛ فيكون يوسف عاصيا ، وكان نبيا. والرضى به معصية ؛ لأن الرضى بالمعصية معصية ؛ فيكون يوسف عاصيا. وكان نبيا.
فإن قيل : يحتمل أن يكون المراد من ذلك : أنهم سجدوا لله شكرا من أجله ؛ حيث رأوه على أكمل حالة من الرفعة فى الدنيا ، والأخرى ، وجمع الله ـ تعالى ـ شمله بأبويه ، وأخوته ومن فعل فعلا لأجل غيره ، يصح أن يقال فعل له ، كما يقال : «إنما صمت لشفائى من مرضى وصليت لقدوم أخى».
ويحتمل أنهم سجدوا لله شكرا وكان يوسف قبلة لسجودهم. وسجودهم إلى جهته ، كما يقال صلّى فلان للقبلة ، وسجد لها : أى إلى جهتها ، وإن كان السجود ليس إلا لله ـ تعالى.
قلنا : ما ذكروه ممتنع لوجوه ثلاثة :
الأول : أنه على خلاف الظاهر من اللفظ ؛ فلا يجوز المصير إليه إلا بدليل ، وسنقدح فى كل ما يحيلوه دليلا.
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٠ ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما يلى : تفسير الكشاف للزمخشرى ٢ / ٣٤٤ ، وتفسير الرازى ١٨ / ٢١٤ ـ ٢١٩ وتفسير القرطبى ٥ / ٣٤٩٣ ـ ٣٤٩٧ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٦٢. وقصص الأنبياء لابن كثير ص ٢٦٣ ، ٢٦٤.
(٢) يعقوب عليهالسلام : هو يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهمالسلام وأمه (رفقة) بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر الّذي يسميه المؤرخون (تارح) وناحور هو أخو إبراهيم عليهالسلام.
ويعقوب عليهالسلام هو أبو الأسباط الاثنى عشر ، وإليه ينسب شعب بنى إسرائيل. ويسمى يعقوب (إسرائيل).
وقد ولد عليهالسلام فى (فلسطين) وشب فى كنف أبيه إسحاق عليهالسلام ورحل إلى مصر ومكث بها سبعة عشر عاما وتوفى عليهالسلام وعمره ١٤٧ سنة وقد أوصى ابنه يوسف عليهالسلام أن يدفنه مع أبيه إسحاق ففعل وسار به إلى فلسطين ودفنه مع أبيه فى مدينة الخليل صلوات الله عليهم أجمعين.
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ٢٢٢ ـ ٢٦٧ ، والنبوة والأنبياء للصابونى ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨].