وإن سلمنا أنه قصد قتله : غير أنه / / من الجائز أن الله ـ تعالى ـ كان قد عرّف موسى استحقاق ذلك القبطى للقتل بكفره ، وندبه إلى تأخيره إلى حالة التمكن ، فلمّا رأى موسى ـ عليهالسلام ـ منه الإقدام على رجل من شيعته تعمّد قتله وترك المندوب وتعمد قتل من يجوز له قتله ليس بمعصية. وترك المندوب ليس بمعصية.
وعلى هذا فندمه كان على ترك ما ندب إليه ، وهو المراد من قوله : (ظَلَمْتُ نَفْسِي) (١). وقوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٢). وقوله : (فَاغْفِرْ لِي) (٣). فالمراد منه قبول الاستغفار ، وهو الثواب عليه.
والجواب عن الإجمال :
ما المانع أن يكون القتل الصادر منه عمدا من غير استحقاق.
قولهم : إنّه كبيرة.
قلنا : نحن وإن وافقناكم على امتناع صدور الكبيرة من النّبيّ حال نبوته ؛ فلا نسلم امتناع صدورها من قبل نبوته ، وموسى حالة قتل القبطى لم يكن نبيا ، بدليل قوله ـ تعالى ـ حكاية عن قول فرعون لموسى لما أرسل إليه : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) ـ يعنى قتل القبطى ـ (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) ـ أى الجاحدين لنعمتى ـ فقال / موسى (فَعَلْتُها) ـ يعنى قتل القبطى (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) ـ أى الجاهلين ـ ، والنبي لا يكون جاهلا ، ثم قال : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٤). فدل على أنه لم يكن حالة قتل القبطى نبيا.
وإن سلمنا امتناع صدور الكبيرة من الأنبياء مطلقا ، وأن القتل الصادر منه كان خطأ ؛ فلا يلزم من ذلك امتناع صدور الصغيرة منه حالة قتله إما نفس الوكزة ، أو ما لازمها ، ويدل عليه ما ذكرناه من ندمه ، وقوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٥). وقوله : (ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (٦). وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من الوجه الأول فى التفصيل.
__________________
/ / أول ل ٩٨ / ب.
(١) جزء من الآية رقم ١٦ من سورة القصص.
(٢) جزء من الآية رقم ١٥ من سورة القصص.
(٣) جزء من الآية رقم ١٦ من سورة القصص.
(٤) سورة الشعراء ٢٦ / ١٨ ـ ٢١.
(٥) سورة القصص ٢٨ / ١٥.
(٦) سورة القصص ٢٨ / ١٦.