هذه الاحتمالات ؛ فلا يلزم شيء مما ذكرتموه. ويحتمل أنه أخذ برأسه إليه ؛ ليخبره سر ما حدد الله ـ تعالى ـ له من الأمور كما جرت العادة.
قلنا : لا يخفى على كل عاقل بعد هذه التأويلات ، وخروجها عن مذاق العقل مع بعدها ؛ فيمتنع القول بها.
أما ما ذكروه من التأويل : فهو ممتنع لثلاثة أوجه :
الأول : أنه أخذ بلحيته ، وبرأسه لقوله ـ تعالى ـ حكاية عن هارون (لا تَأْخُذْ / بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) (١). والعادة غير جارية بجر لحية الإنسان عند قصد تسكين غضبه ، وحزنه.
الثانى : قوله (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) وهذا العذر غير لائق من طلب كف موسى عن الأخذ برأسه ، على سبيل الإشفاق ، وإزالة الغيظ عنه.
الثالث : / / قوله (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) (٢). والأخذ بالرأس ، واللحية على جهة الاشفاق ، وتسكين الحزن والغيظ ، لا يتحقق به شماتة الأعداء ؛ فدل على أن ذلك إنما كان على طريق الغيظ وقصد الإيذاء.
وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل ما ذكروه من الاحتمال الثانى أيضا. ويخصه وجه آخر وهو أن ما ذكروه على خلاف العادة ؛ إذ العادة عند استيلاء الفكر ، والحزن على الإنسان أن يفعل ما ذكروه بنفسه ، لا بغيره ولا سيما جذب رأس الغير ، ولحيته.
وبما ذكرناه أيضا يبطل ما ذكروه من الاحتمال الثالث.
__________________
(١) سورة طه ٢٠ / ٥٤.
/ / أول ل ٩٩ / أ.
(٢) سورة الأعراف ٧ / ١٥٠.