الحجة الخامسة عشرة :
قوله ـ تعالى ـ فى قصة داود (١) ـ عليهالسلام ـ :
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) إلى قوله (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢).
ووجه الاحتجاج من ذلك : أن المفسرين بأجمعهم رووا أن داود كان يوما فى محرابه ؛ فرأى قرينيه ، فراعه ذلك ، فقال : من أنتما ، فقالا له : نحن قريناك اللذان يحفظانك من أن تعصى ، أو تخطىء ، فقال لهما فخليانى : وجربا ؛ ففعلا.
فقال أما اليوم فلا يدخل على أحد ، ولا أخرج إلى أحد ، ولا أبرح أصلي ، وأقرأ إلى الليل. فبينما هو كذلك إذ نظر إلى كوة ؛ فرأى طائرا أحسن شيء يكون بعضه ذهبا ، وبعضه من ياقوت ؛ فأعجبه ، ثم أعرض عنه ؛ فوقع الطائر فى البيت. فقال داود فى
__________________
(١) داود عليهالسلام : هو نبى الله (داود بن ايشا بن عويد ... من نسل يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهمالسلام ، وقد ذكر نسبه فى التوراة والإنجيل مفصلا. وهو عليهالسلام ـ أحد الرسل الذين نزلت عليهم الكتب السماوية بعد موسى عليهالسلام ، وأعطاه الله الزبور كما قال تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً).
وقد ورد اسم داود عليهالسلام ـ فى القرآن الكريم فى ستة عشر موضعا فى [البقرة ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والإسراء ، والأنبياء ، والنمل ، وسبأ ، وسورة ص] وقد جمع الله ـ تعالى ـ له بين النبوة والملك ؛ فكان نبيا ملكا كما كان ولده سليمان عليهالسلام.
وخصه بمزايا منها تسخير الجبال للتسبيح (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ)
ومنها : إلانة الحديد له : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ومنها : صناعة الدروع لدرء خطر الحرب (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ). ومنها : تقوية ملكه (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ).
ومنها : آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ).
ومع كل هذا المزايا الفريدة والصفات الجليلة نرى اليهود فى كتبهم المصنوعة المحرفة يصورونه عليهالسلام بصورة غير لائقة بالبشر العادى فضلا عن الرسول الكريم فهو يأخذ امرأة أوريا لنفسه من غير حياء ويرسل زوجها إلى الصف الأول فى ميدان القتال ليتخلص منه. أحداث موغلة فى القسوة وبعيدة عن العفة (انظر الكتاب المقدس صموئيل الثانى : الاصحاح الحادى عشر ، والاصحاح الثالث عشر).
بينما يصور القرآن الكريم هذه المسألة بصورة تبعد الأنبياء عن الكبائر ، ولم يرها إلا هفوة استحقت نوعا من العتاب والتعليم من الله لنبيه ومصطفاه. كما ورد فى الآية التالية من سورة (ص).
ومن الغريب أن بعض علماء المسلمين وقعوا فى خطأ عظيم بذكر هذه الإسرائيليات فى مصنفاتهم على أنها من قصص القرآن الكريم.
وقد عاش داود عليهالسلام سبعا وسبعين سنة ثم توفاه الله وأوصى بالملك من بعده لابنه سليمان عليهالسلام.
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ٤٨٠ ـ ٤٩٤. والنبوة والأنبياء للصابونى ص ٢٧٣ ـ ٢٨١. واليهودية للدكتور أحمد شلبى ص ١٤٥ ، ١٤٦ ، ص ١٧٢ ـ ١٧٥].
(٢) سورة ص ٣٨ / ٢١ ـ ٢٤. ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما أورده الآمدي. انظر : تفسير الكشاف للزمخشرى ٣ / ٣٦٥ ـ ٣٧١.
وتفسير الرازى ٢٦ / ١٨٨ ـ ١٩٨. وتفسير القرطبى ٨ / ٥٦٠٨ ـ ٥٦٣١.
ومختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٢٠٠ ، ٢٠١.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٦ ـ ١٤٨.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٣ ، ٣١٤.