قولهم : إن المتسورين عليه كانوا من البشر ؛ فهو أيضا من مخرجات الخصوم ، واحتمالاتهم البعيدة ؛ وهو على خلاف اتفاق الرواة المشهورين الثقات العارفين من المفسرين.
وما ذكروه : من الترجيح بين ما ذكرناه من القصة ، وبين ما ذكروه من الاحتمال ؛ فهو فرع كون ما ذكروه منقولا ، وليس كذلك ؛ بل ما ذكروه إنما هو مجرد احتمال ، والمنقول ما ذكرناه ؛ فلا ترجيح لغير المنقول على المنقول.
قولهم : سلمنا أن الداخلين عليه كانوا ملائكة ، ولكن ليس فى ذلك ما يدل على كونه مذنبا.
قلنا : دليله ما أسلفناه بالروايات عن الثقات من كثرة بكائه وتضرّعه ، وتفرّق الوحوش من حوله ، وقوله ـ تعالى ـ (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ).
وقد بينا فيما تقدم أن المغفرة تستدعى سابقة الذنب.
وعلى هذا فما ذكروه من الروايات. إما أن تكون مشتملة على الذنب : أو غير مشتملة عليه.
فإن كان الأول : فهو المطلوب.
وإن كان الثانى : كان الترجيح لما ذكرناه من الرواية ؛ لما فيها من موافقة الظواهر الدالة على كونه مذنبا.
قولهم : إنه رتب على القصة / ما يلائمها بتقدير كونه مذنبا.
قلنا : ما ذكروه إنما كان مرتبا على استغفاره ، وسجوده ، وخضوعه وبكائه ، وندمه على ذنبه لا على نفس الذنب ؛ فيكون ملائما ؛ والله ـ تعالى ـ أعلم وأحكم.
الحجة السادسة عشرة :
قوله ـ تعالى ـ :
(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ* فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ* رُدُّوها عَلَيَ