قلنا : ليس ذلك بطريق العقوبة لها ؛ بل ليتصدق بلحمها على الفقراء ، والمساكين ؛ لتكون كفارة عن تفريطه ، ويكون تخصيصه لها بذلك ؛ لكونها سبب شغله عن العبادة ، ولكونها كانت أحب ما له إليه مبالغة فى القربة إلى الله ـ تعالى ـ على ما قال ـ تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (١).
الحجة السابعة عشرة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يونس (٢) ـ عليهالسلام ـ :
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣).
ووجه الاحتجاج به : أنه وصف نفسه بأنه كان من الظالمين ، فلا يخلو : إما أن يكون صادقا فيه ، أو كاذبا.
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ / ٩٢.
(٢) يونس عليهالسلام : يونس بن متى ويسمى عند أهل الكتاب (يونان بن أمتاى) وهو عليهالسلام من بنى إسرائيل ويتصل نسبه ببنيامين أحد أولاد يعقوب عليهالسلام وهو شقيق يوسف عليهالسلام.
أرسله الله تعالى ـ إلى أهل (نينوى) بالعراق ، وكانوا يعبدون الأصنام ولهم صنم يسمونه (عشتار) فتراك الشام وذهب إليهم فى نينوى يدعوهم إلى عبادة الله وحده ؛ فكذبوه واستمروا على غيهم فلما يئس منهم خرج من بينهم قال تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) الآية فخرج من بينهم قبل أن يأمره الله ـ تعالى بالخروج ـ وهذا الخروج معصية تتنافى مع العصمة ، فهو بخروجه واستعجاله قد فعل ما يستحق عليه اللوم والتأديب الربانى. قال تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ). سورة الصافات ٣٧ / ١٣٩ ـ ١٤٨.
وقد ذكر يونس عليهالسلام فى القرآن أربع مرات باسمه فى سورة يونس ـ التى سميت باسمه ـ وسورة النساء ، والأنعام ، والصافات.
وذكر بالوصف فى موضعين حيث لقبه الله (بذى النون) : أى الحوت فى سورة الأنبياء فى قوله ـ تعالى ـ : (وَذَا النُّونِ). وبلفظ صاحب الحوت فى سورة القلم فى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ).
وكان عدد من آمن بيونس مائة وعشرون ألفا على رواية ابن عباس رضى الله عنه.
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ٢٨٦ ـ ٢٩٦ ، والنبوة والأنبياء ص ٣٠٢ ـ ٣٠٥].
(٣) سورة الأنبياء ٢١ / ٨٧ ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما أورده الآمدي هاهنا : انظر تفسير الكشاف للزمخشرى ٢ / ٥٨١ ، ٥٨٢. وتفسير الرازى ٢٢ / ٢١٢ ـ ٢١٧ ، وتفسير القرطبى ٦ / ٤٣٦٩ ـ ٤٣٧٥.
ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٥١٨ ، ٥١٩.
وشرح المواقف للجرجانى ص ١٥٢ ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٥.