الحجة الثامنة عشرة :
ما روى الثقات من أهل التفسير كابن (١) عباس ، والحسن (٢) ، وغيرهما أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يصلى يوما بمكة بقوله ـ تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٣). فتمنى فى نفسه شيئا كما يتمنى الناس ؛ فألقى الشيطان على لسانه «فإنهن عند الله من الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى» وإن قريشا لما سمعت بذلك سرت به.
__________________
(١) راجع ترجمته فى هامش ل ١٤٩ / ب.
(٢) الحسن : هو الإمام الحسن بن يسار البصرى أبو سعيد : تابعى كان إمام أهل البصرة ، وحبر الأمة فى زمنه. وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك. ولد بالمدينة المنورة سنة ٢١ ه وشب فى كنف الإمام على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ ثم سكن البصرة وعظمت هيبته فى القلوب ؛ فكان يدخل على الولاة ؛ فيأمرهم وينهاهم.
وكان أبوه من أهل ميسان ، مولى لبعض الأنصار ولما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه : إنى قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لى أعوانا يعينوننى عليه. فأجابه الحسن : أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك ، فاستعن بالله. توفى ـ رحمهالله ـ بالبصرة سنة ١١٠ ه. [ميزان الاعتدال للذهبى ١ / ٢٥٤ وحلية الأولياء لأبى نعيم ٢ / ١٣١ والأعلام للزركلى ٢ / ٢٢٦].
(٣) ورد فى تفسير ابن عباس (رضي الله عنه) الّذي جمعه من كتب السنة الدكتور عبد العزيز الحميدى ـ نشر مركز البحث العلمى وإحياء التراث الإسلامى ـ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ٢ / ٨٤٢ وما بعدها ـ ٢ ـ ما جاء فى قوله تعالى ـ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) نقلا عن صحيح الإمام البخارى ٨ / ٤٧٨ كتاب التفسير ـ باب (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى).
(اللَّاتَ وَالْعُزَّى) : كان اللات رجلا يلت سويق الحاج. وعن مجاهد قال : كانت اللات رجلا فى الجاهلية على صخرة بالطائف ، وكان له غنم ؛ فكان يأخذ من لبنها ويأخذ من زبيب الطائف والأقط ؛ فيجعل منه حبا ويطعم من يمر من الناس. فلما مات [صنعوا لها تمثالا] وعبدوه. وقالوا : هو اللات ـ وكان يقرأ (اللات) مشددة. وهذا التفسير ظاهر على قراءة تشديد التاء ، وهى قراءة ابن عباس.
أما على قراءة تخفيف التاء. وهى قراءة الجمهور فقال بعض المفسرين إن هذا الاسم مأخوذ من اسم الله ـ تعالى ـ كما أن (العزى) من اسم الله (العزيز).
وقد أرسل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المغيرة بن شعبه وأبا سفيان بن حرب بعد ما أسلم أهل الطائف ؛ فهدمها المغيرة بن شعبة (سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٤).
أما العزّى : فإنها بيت مبنى على ثلاث شجرات من السمر فى وادى نخلة وكانت قريش تعبدها ويفتخرون بها.
كما جاء فى قول أبى سفيان يوم أحد : لنا العزى ولا عزى لكم (.
وقد أرسل إليها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خالد بن الوليد عام الفتح فهدمها كما أخرج النسائى وابن مردويه عن ابن الطفيل قال : لما فتح رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكان بها العزى فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الّذي كان عليها. ثم أتى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأخبره ؛ فقال ارجع فإنك لم تصنع شيئا ؛ فرجع خالد ؛ فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا فى الجبل وهم يقولون : يا عزى يا عزى ؛ فأتاها خالد ؛ فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها ؛ فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره فقال : تلك العزى [الدر المنثور ٦ / ١٢٦].
أما مناة : فهو صنم فى (قديد) موضع قرب مكة (معجم البلدان ـ مادة قدد).
أخرج الطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس رضى الله عنهما : «أن العزى كانت ببطن نخلة وأن اللات كانت بالطائف وأن مناة كانت بقديد» [مجمع الزوائد ٧ / ١١٥].