الحجة التاسعة عشرة :
قوله ـ تعالى ـ مخاطبا لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١) ، وهو صريح فى أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ له ذنوب.
فإن قيل : المراد من ذلك ما تقدم ، وتأخر من ذنوب أمتك فى الزمان. وإنما حسنت إضافة ذنوب أمته إليه ؛ لأنه كبير أمته ، وزعيمها ، ويصح أن يقال لمن رأس على قومه ، وكان مقدما عليهم إذا جنى بعض أتباعه : أنت فعلت ذلك الفعل ، وإن لم يكن هو الفاعل له حقيقة.
ويمكن أن يقال معناه : «ليغفر لأجلك ما تقدم ، وما تأخر من ذنوب أمتك إليك» فأضيفت ذنوبهم إليه ؛ لأن الذنب مصدر والمصدر يصح إضافته إلى الفاعل كما يقال «أعجبنى ضرب زيد عمرا» ، إذا أضافوه إلى الفاعل ، ويصح إضافته إلى المفعول : كما فى قولهم : أعجبنى ضرب زيد عمرو «بالرفع ، وبتقدير الأول» «أعجبنى أن ضرب زيد عمرا» وبتقدير الثانى «أعجبنى أن ضرب عمرو زيدا».
وإن سلمنا صدور تلك الذنوب عنه ؛ لكن بمعنى ترك الأولى لا بمعنى ارتكاب ما هو فى نفسه محظورا.
ولهذا كان من فوت على نفسه ما له فيه مصلحة وإن لم يكن تركه محرما. يصح أن يقال له إنك مسىء ، ومذنب بالنظر إلى حق نفسك ، وليس ذلك من القبائح التى يمتنع على الأنبياء فعلها.
والجواب :
قولهم : المراد به ما تقدم ، وتأخر من ذنوب أمتك.
__________________
(١) سورة الفتح ٤٨ / ١ ، ٢ لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ذكره الآمدي هاهنا انظر :
تفسير الكشاف للزمخشرى ٣ / ٥٤٠ ، ٥٤١ وتفسير الرازى ٢٨ / ٧٧ ـ ٨٠.
وتفسير القرطبى ٩ / ٦٠٨٠ ـ ٦٠٨٣. ومختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٣٣٩ ، ٣٤٠.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٥٨.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٥.