الحجة العشرون :
قوله ـ تعالى ـ مخاطبا لنبيه عليه ـ الصلاة والسلام ـ :
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (١).
ووجه الاحتجاج به : أنه ـ تعالى ـ صرح بوضع الوزر عنه ، فإن قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ / وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ، وإن كان لفظه لفظ استفهام ، إلا أنه للوجوب ، ولفظ الوزر ظاهر فى الذنب ؛ إذ هو المتبادر من لفظ الوزر إلى الفهم ، وذلك يدل على سابقة الذنب. ولهذا قال المفسرون المراد منه ما كان قبل الرسالة من الذنوب.
فإن قيل : لا نسلم أن الوزر هو الذنب ؛ بل الوزر فى اللغة هو الثقل ، فكل شيء احتمله الرجل على ظهره ؛ فأثقله ؛ فهو وزر. ومنه سمى الوزير وزيرا ؛ لأنه يتحمل أثقال صاحبه. ومنه قوله تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (٢) : أى أثقال أهلها. والذنب إنما سمى وزرا ؛ لأنه يثقل صاحبه ، وعلى هذا فكل شيء أثقل الإنسان ، وغمه جاز أن يسمى وزرا تشبها بالوزر الّذي هو الثقل الحقيقى.
وعند ذلك : فلا يمتنع أن يكون المراد بلفظ الوزر فى الآية ما كان يثقله من الهم ، والغم بسبب شرك قومه ، وما كان عليه من كونه مقهورا مستضعفا بين المشركين. وحيث أعلى الله ـ تعالى كلمته ، ونشر أعلامه ، وأزال عنه ما كان يثقله من الهم والغم خاطبه بقوله ـ تعالى ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) تذكيرا له بما أنعم به عليه ؛ ليقابله بالشكر. وليس فى ذلك ما يدل على سابقة الذنب.
والجواب :
إن الوزر وإن كان فى اللغة حقيقة فى الثقل الحقيقى ، فهو مجاز فيما عداه ، ولا يخفى أن حمل الوزر على الذنب مجاز مشهور فى العرف ؛ لتبادره إلى الفهم عند
__________________
(١) سورة الشرح ٩٤ / ١ ـ ٣. لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما أورده الآمدي هاهنا راجع ما يلى :
تفسير الكشاف للزمخشرى ٤ / ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، وتفسير الرازى ٣٢ / ٢ ـ ٥.
وتفسير القرطبى ١٠ / ٧١٩٤ ـ ٧١٩٦ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٦٥٢.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٥٧.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٣١٥.
(٢) سورة محمد ٤٧ / ٤.