الإطلاق ، بخلاف ما عداه ؛ فكان حمله عليه أولى ، ولا يصرف عنه إلا بدليل. كيف وأن هذه السورة مكية وأنها نزلت على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو فى غاية الضعف ، والخمول ، وشدة الخوف من الأعداء ، وقبل إعلاء كلمته ، ونشر أعلامه ؛ فامتنع الحمل على ما ذكروه من الاحتمال.
فإن قيل : فمن المحتمل أن يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ). المستقبل وإن كان ظاهرا فى الماضى ، كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) (١). وقوله : (وَنادَوْا يا مالِكُ) (٢).
وإن سلمنا أن المراد به الماضى غير أنه ـ تعالى ـ لما بشره بأنه يعلى دينه ، ويظهر كلمته ، ويشفيه من أعدائه ، وهو واثق بصدق الله ـ تعالى ـ فيما وعده به ، كان بذلك قد وضع عنه ثقل غمه بسبب قومه.
قلنا : أما الأول : وإن كان محتملا ، إلا أنه خلاف الظاهر ؛ فلا يصار إليه إلا بدليل.
وأما الثانى : فبعيد أيضا. فإن مقتضى قوله ـ تعالى ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ، رفع الوزر مطلقا ، والوعد بما ذكروه لا يرفع الوزر مطلقا ، فإن الغم الحاصل بعناد المشركين له ، وخوفه منهم فى الحال ، حاصل وإن قل بسبب وثوقه بوعد الله ـ تعالى ـ بإزالته ؛ فكان الحمل على ما ذكرناه أولى.
وعند هذا : فلا بد من الإشارة إلى شبه الخصوم ، والتنبيه / على وجه الانفصال عنها.
الشبهة الأولى :
وهى العمدة الكبرى للخصوم. وهى أن المعجزة لما دلت على صدق الرسول فى دعوى الرسالة من حيث أن ظهورها على يده ينزل من الله ـ تعالى ـ منزلة التصديق له بالقول ؛ فقد دلت على وجوب اتباعه بواسطة دلالتها على صدقه ؛ لأن الغرض من إرساله ، وتصديقه ؛ إنما هو وجوب اتباعه فيما يخبر به ، ويؤديه إلينا. فكل ما يقدح فى القبول ووجوب الامتثال ؛ فالمعجزة تدل على امتناعه.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ٥٠.
(٢) سورة الزخرف ٤٣ / ٧٧