وعند هذا لا يخفى أن من يجوز عليه المعاصى ، ولا يأمن منه الإقدام عليها أن النفس لا تكون ساكنة إلى قبول قوله ، واستماعه : كسكونها إلى من لا يجوز عليه شيء من ذلك. والعادة والعرف شاهدان بذلك.
فإذن القول بصدور المعصية من النبي مما يؤثر فى تقليل قبول قول الرسول / / واتباعه فكان ممتنعا.
وعلى هذا أيضا يمتنع صدورها عنه قبل النبوة ؛ لأن السكون إلى من صدرت عنه المعصية ، وإن تاب ، وأقلع عنها ؛ يكون أقل من السكون إلى من لم يصدر عنه أصلا ، وعلى هذا يكون الكلام فى امتناع المعصية عنه على سبيل الخطأ ، والنسيان.
والجواب :
وإن سلمنا وجوب إتباع الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما يخبر به عن الله سبحانه ، ويؤديه إلينا عنه ، ولكن لا نسلم دلالة ذلك على امتناع صدور المعصية عنه.
قولهم : لأن الغرض من الإرسال إنما هو الامتثال ، والقبول ؛ فهو مبنى على فاسد أصولهم فى وجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله تعالى ـ وأحكامه [وهو باطل على ما سبق فى التعديل ، والتجويز (١). وإن سلمنا وجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه] (٢) ، فلا نسلم أن المقصود من وجوب الاتباع ، والامتثال ؛ بل أمكن أن تكون لحكمة أخرى : إما ظاهرة ، أو غير ظاهرة لنا.
ولهذا فإنا قد اتفقنا على وجوب العبادات ، وتحريم المحظورات ، وإن لم تكن الحكمة فيها هى الامتثال لتحقق المخالفة مع الوجوب ، والتحريم ، ولو كان المقصود من إيجاب الله ـ تعالى ـ للعبادات هو الامتثال ؛ لما تصور أن لا يحصل مقصوده منه.
وإن سلمنا أن المقصود من الوجوب إنما هو الامتثال ؛ لكن الامتثال الّذي لا نفرة معه ، أو الامتثال مع نفرة ما.
الأول : ممنوع ؛ إذ هى دعوى محل النزاع. والثانى : مسلم.
__________________
/ / أول ل ١٠٢ / ب.
(١) انظر الجزء الأول ل ١٨٦ / أ. وما بعدها.
(٢) ساقط من (أ).