ولهذا فإن العقلاء ، وأهل العرف مجمعون على أن يكون الشخص ضعيفا ، خاملا ، محتقرا ، فى الأعين مهتضما فى النفوس ، قليل الأتباع ، والأنصار مما يقلل الانقياد له ، والدخول تحت حكمه ، والطاعة له. ومع ذلك فإنا أجمعنا على أنه لا يمتنع على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ مع ظهور المعجزة على يده ، أن يكون متصفا بمثل هذه الصفات ؛ فكذلك فى المعاصى ، ولا سيما إن كان صدورها عنه عن سهو ، أو خطأ فى التأويل ، وأبلغ من ذلك أن تكون قد صدرت عنه قبل الرسالة.
الشبهة الثانية :
أنه يلزم من صدور المعصية عن الرسول أمر ممتنع ؛ فيمتنع. وبيان الملازمة من ستة أوجه:
الأول : أنه يلزم أن يكون استحقاقه / للعقاب ، أشد من استحقاق غيره ؛ لأن زيادة العقوبة على حسب تفاحش المعصية على ما قال ـ تعالى ـ : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١). وقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٢). وقوله ـ تعالى ـ : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (٣). ولأجل ذلك وجب الرجم على المحصن دون غيره ، وكمل الحد فى حق الحر دون العبد.
ولا يخفى أن صدور المعصية عمن عظمت نعمة الله عليه ، أفحش من صدورها عن غيره ، ولا نعمة أتم من نعمة النبوة ، فكان صدور المعصية عن النبي أفحش من غيره ، والقول بأن حال النبي ـ عليهالسلام ـ فى استحقاق العقاب فوق حال غيره من العصاة من أمته مخالف للإجماع.
الثانى : أنه يلزم من صدور المعصية عنه أن يكون فاسقا ، ويلزم من ذلك أن لا يكون مقبول الشهادة لقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٤). ومن لا يكون مقبول الشهادة ، يمتنع أن يكون مقبول القول فى الأديان ؛ وذلك محال.
__________________
(١) سورة الشورى ٤٢ / ٤٠.
(٢) سورة غافر ٤٠ / ٤٠.
(٣) سورة الأحزاب ٣٣ / ٣٠.
(٤) سورة الحجرات ٤٩ / ٦.