والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء ، وظهور الكرامات على أيدى الأولياء جائز عندنا على ما سيأتى تحقيقه (١).
وقد قال القاضى أبو بكر : ما كان من معجزات عيسى ـ عليهالسلام فى حالة صغره ؛ فليست قبل نبوّته ؛ فإنّه كان فى صغره نبيّا ، ويدلّ عليه قوله ـ تعالى إخبارا عنه (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٢) وليس إكمال عقل الصّغير ، وجمع شرائط النّبوة فى حقه مستبعدا بالنسبة إلى / مقدورات الله ـ تعالى.
وأما المعتزلة : فانهم حيث أنكروا الكرامات ، وزعموا أنّ ما ظهر من الخوارق قبل مبعث عيسى ، ونبينا ـ عليهماالسلام ـ وكان منقولا نقلا متواترا ؛ فلا يكون إلا معجزة نبىّ أخر فى ذلك العصر ، وما ذكرنا أوجه ؛ فإنّه قد يتصور وذلك فى زمن لا نبى فيه.
وأمّا إذا تأخّرت المعجزة / / عن الدّعوى بحيث لا يفصل بينهما زمان يعتدّ به فلا خلاف [عند (٣)] القائلين بالنّبوات فى دلالتها على صدق المدّعى ؛ لنزولها منزلة التّصديق. بخلاف ما إذا تقدّمت على الدعوى بزمان يسير حيث إنها لا تنزل منزلة التّصديق.
ولو تأخّرت بزمان يعتدّ به : كيوم ، أو شهر ، أو سنة. وما زاد ثم ظهرت المعجزة الخارقة على وفق ما ادّعاه ؛ فلا خلاف أيضا عندهم فى ثبوت النّبوّة عند ظهور المعجزة ، ولا تثبت لما قبله لمجرد الدّعوى ؛ لكن اختلفوا عند ظهور المدعوّ به.
فقال بعضهم : تبيّنا أن إخباره السّابق كان معجزا مع موافقته على أن أحدا لا يكلّف بتصديقه قبل ظهور المدعوّ به وعلى قول هذا القائل ، فالمعجز : لا يكون متأخرا عن الدّعوى ؛ بل المتأخر علمنا به.
وقال آخرون : إنّ اخباره إنّما يتّصف بكونه معجزا عند ظهور المدعو به. وعلى هذا القول : فالمعجز يكون متأخّرا عن الدّعوى ؛ والقول الأول فاسد ؛ فإنّا لا نشك فى تبيين ان اخباره كان معجزا ، فالمعجز يكون مقارنا للدّعوى فى نفس الأمر وإن لم يلزم التّكليف
__________________
(١) انظر ما سيأتى ل ١٤٤ / أو ما بعدها.
(٢) سورة مريم ١٩ / ٣٠.
/ / أول ل ٧١ / أ.
(٣) ساقط من (أ)