لا نسلم ذلك ، فإن آدم ـ عليهالسلام ـ كان أعلم من الملائكة بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) والملائكة لم يكونوا عالمين بها بدليل قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (١) //.
فإن قيل : وإن كان آدم / أعلم بالأسماء. فالملائكة أعلم بالمسميات ، ولا يخفى أن العلم بالحقائق ؛ أفضل من العلم بأسمائها.
قلنا : لا نسلم أن الملائكة أعلم من آدم بالمسميات ؛ فإنه قد قال أهل التفسير إن الله ـ تعالى ـ (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) والمسميات التى يضع الأسماء عليها ؛ لأنه لا فائدة فى الأسماء دون المسميات ، ويدل على ذلك قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ). والمراد به أصحاب الأسماء ، ولذلك قال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) بالميم. ولو أراد به الأسماء لقال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) بالنون ، أو ثم عرضها ، وهكذا قال ثعلب (٢) ، وهو من أكبر أئمة اللغة.
ثم وإن سلمنا أن الملائكة أعلم ، فغايته أن لهم فضيلة ، ولا يدل ذلك على أنهم أفضل.
وعلى هذا خرج الجواب عن قوله ـ تعالى ـ : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٣). وقوله ـ تعالى ـ : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٤) غايته الدلالة بمفهومه على أن البشر ليسوا أفضل من جميع المخلوقات ، ولا نسلم كون المفهوم حجة.
وإن سلمنا كونه حجة ؛ فلا نسلم أنه لم يعمل به فى مفهومه ، بتقدير تفضيل البشر على من عداهم من المخلوقات ، فإنهم من جملة المخلوقات وليسوا أفضل من أنفسهم ؛ فليس هم أفضل من جميع المخلوقات.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٣١ ، ٣٢.
/ / أول ل ١٠٧ / ب.
(٢) ثعلب : راجع ما سبق فى ترجمته فى هامش ل ١٨٧ / ب.
(٣) سورة النجم ٥٣ / ٥.
(٤) سورة الإسراء ١٧ / ٧٠.