والإجماع من العقلاء منعقد على أن الحدوث فى النشأة الأولى جائز ، وما يثبت لأحد المثلين ، أمكن إثباته للمثل الآخر.
فإن قيل : ما ذكرتموه استدلال على إبطال ما هو معلوم بالضرورة ، وذلك أنه إذا أعدم الشيء فما أبدع ثانيا ، فإنّا نعلم بالضرورى أنه غير الأول ، والمتغايران لا يكون أحدهما هو الأخر.
وإن سلمنا أنه غير ضرورى ولكن قولكم فى الحجة الأولى : أنّ ما عدم بعد وجوده : إما أن يكون واجب الوجود ، أو جائز الوجود ، أو ممتنع الوجود. مسلم ؛ ولكن لم قلتم إنه لا يكون ممتنع الوجود؟
قولكم : لو كان ممتنع الوجود ، لما وجد أولا.
قلنا : ما المانع أن يكون لذاته جائز الوجود فى النشأة الأولى لذاته ، وممتنع الوجود فى طرف الإعادة؟
ولا يلزم من امتناع أحدهما عليه لذاته ، امتناع الآخر ، وصار كما قلتم فى جواز وجود العرض لذاته ، وامتناع وجوده فى الزمن الثانى من حدوثه لذاته (١).
وقولكم فى الحجة الثانية : أن الإعادة مماثلة للنشأة الأولى. ممنوع ، ولا يلزم من التماثل فى الحدوث بينهما التماثل مطلقا ، وذلك لأنّ أخص صفة الإعادة أنّها إحداث بعد نشأة لعين ما أنشأ ، وأخص وصف النشأة أنها إحداث لما لم ينشأ أولا.
وعلى هذا : فلا يلزم من جواز أحدهما ، جواز الآخر.
ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على جواز الإعادة ، غير أنه معارض بما يدل على امتناعها ، وبيانه من أربعة أوجه : ـ
الأول : هو أن الحكم على ما عدم بكونه جائز الإعادة ؛ حكم بإثبات صفة للمعدوم.
وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يكون المعدوم فى حال عدمه ثابتا ، أو لا يكون ثابتا.
__________________
(١) قارن بما ورد فى شرح المقاصد ٢ / ١٥٣.