الفصل الثانى
فى وجوب وقوع المعاد الجسمانى
وقد اختلف فيه أيضا :
فذهبت الفلاسفة (١) ، والتناسخية (٢) ، وكثير من العقلاء إلى المنع من ذلك.
وذهب أهل الحق من الإسلاميين ، والمتشرعين إلى وجوب ذلك فى بعض الأجسام (٣).
ثم اختلف القائلون بذلك :
فمنهم من أوجب إعادة المكلّفين عقلا : كالمعتزلة بناء على أصولهم فى وجوب الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية (٤).
ومنهم من أنكر الوجوب العقلى ، ولو يوجب ما أوجب إعادته بغير السمع : كالأشاعرة ومن تابعهم ؛ وهو الحق (٥).
وأما إنكار الوجوب عقلا : فمن جهة أنه مبنى على القول بإيجاب ثواب الطائع ، وعقاب العاصى على الله ـ تعالى ـ ؛ وهو باطل بما سبق فى التعديل والتجويز (٦).
وأما الوجوب السمعى ؛ فلأنه قد ثبت جواز الإعادة عقلا ، فإذا أخبر الشارع عن وقوعها ، وورد السمع بها ؛ لزم القول بوجوبها. ودليل ورود السمع بذلك ، ما نعلمه بالضرورة ، والنقل المتواتر من أخبار جميع الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بالمعاد.
__________________
(١) من كتبهم التى وضحت آراءهم : رسائل الكندى ١ / ٢٧١ ، ٢٧٢ وفصوص الحكم ص ٧٣ ورسالة أضحوية ص ٨٩.
(٢) انظر عنهم ما مر فى الجزء الأول هامش ل ١٧٥ / أ.
(٣) اختلف جمهور أهل الحق فيما يعاد. هل كل الأجسام ، أم الأجزاء الأصلية. وهل يعاد المعدوم بعينه ؛ بمعنى أنه عدم. ويعيده ـ الله ـ بعد عدمه أم تكون الإعادة بجمع الأجزاء المتفرقة : أى أنها تفرقت ، ولم تعدم. أم تكون الإعادة بانشاء جديد ، مراعا فيه الانشاء السابق. راجع كل هذه الآراء بالتفصيل ـ بالإضافة لما ذكره الآمدي ـ فى المراجع التالية :
شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ١٧٧ وما بعدها. شرح المقاصد ٢ / ١٥٣ وما بعدها ، وشرح العقيدة الطحاوية ص ٤٦٣ وما بعدها.
(٤) راجع رأى المعتزلة فى شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ١٣٤ وما بعدها.
(٥) وانظر رأى الأشاعرة فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ١٧٨ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٦ وما بعدها وقارن بما أورده الآمدي فى غاية المرام ص ٢٨١.
(٦) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الثانية : فى أنه لا حكم قبل : ورود السمع ل ١٨٤ / ب وما بعدها.