فكيف تكون النار تحت ما لا تحت له ، والجنة فوق ما لا فوق له. ثم يلزم من كون الجنة فوق السموات ، ومن دخول الأبدان الإنسانية إليها محالان :
الأول : انخراق السموات ؛ لصعود أبدان الناس إلى الجنة.
الثانى : أن تكون الأجسام الكائنة ، الفاسدة ، فى حيز الأجسام الأبداعية ، أو فوق حيزها ؛ وهو محال لما سبق (١).
وعلى هذا : فيجب تأويل كل ما / ورد من السمعيات فى ذلك على المعاد النفسانى جمعا بين أدلة العقل ، ومخاطبة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ للعوام بما يفهمونه ، وما لا تنفر طباعهم عن قبوله ، مع دعو الحاجة إلى ترغيبهم بالنعيم ، وترهيبهم بالعذاب المقيم فيما يقصد منهم فعله وتركه ؛ ولهذا قال عليهالسلام ـ «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم (٢)»
والجواب :
قولهم : يتعذر العمل بظواهر ما ذكرتموه من السمعيات.
قلنا : قد بينا إمكان إعادة الأجسام عقلا (٣) ؛ فيمتنع مخالفة الظاهر الدّال على وقوعها ، من غير دليل.
وما ذكروه فى الوجه الأول : فإنما يلزم أن لو كان ما لكل واحد من أشخاص الناس من الأجزاء ما يتصور عليها التبدل ، والتغيير ، وأن تصير جزء من شخص تارة ، وجزء من آخر تارة ؛ وهو ممنوع.
بل كل شخص يشتمل على أجزاء أصلية بها قوامه ، ولا يتصور عليها التبدّل والتغيير فيه. وأجزاء / / فاضلة وهى ما يتصور عليها التبدل والتغير فيه ، وما يكون فيه من الأجزاء الأصلية هى المثابة ، والمعاقبة ، وهى فلا يتصور أن تصير أجزاء أصلية من غيره ؛ بل إن صارت جزءا من الغير ؛ فلا تكون فيه إلا فاضلة ، وكذلك بالعكس (٤).
__________________
(١) راجع رأى الفلاسفة فى رسالة اضحوية لابن سينا ص ٥٦ ، ٥٧ والرد عليه فى تهافت الفلاسفة للإمام الغزالى ص ٢٩٦ ـ ٣٠٠. وقارن بما ورد فى شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٧. وما سبق فى ل ٣١ / أو ما بعدها.
(٢) رواه الديلمى عن ابن عباس مرفوعا ، فى سنده ضعف.
(٣) راجع أدلة الأشاعرة القائلين بامكان إعادة المعدوم عقلا فيما مر ل ١٩٥ / أ.
/ / أول ل ١١٢ / ب من النسخة ب.
(٤) قارن هذا النقد بما ورد فى تهافت الفلاسفة للغزالى ص ٣٠٠ ـ ٣٠٣ وبما ورد فى شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٧.