الفصل الثالث
فى المعاد النفسانى
والنظر فى تحقيقه يتوقف على تحقيق النفس الإنسانية ، ومعناها. وقد اختلف الناس فى معنى النفس الإنسانية.
فمنهم من قال إنها عرض ، ومنهم من قال : إنها جوهر.
ومن قال إنها عرض ـ اختلفوا ـ فمنهم من قال إنها عرض خاص من الأعراض ولم يعينه ، وهذا هو مذهب جماعة من المتكلمين (١) وقد نصره الإمام الهراسى (٢) من أصحابنا وغيره ، وزعم أن كل مخلوق لا يخلو عن أن يكون جسما ، أو عرضا ، والنفس الإنسانية ليست جسما ؛ وإلا كان كل جسم نفسا ؛ ضرورة تماثل الأجسام كما سبق ، فلم يبق إلا أن يكون عرضا.
ومن قدماء الفلاسفة (٣) من قال : إنها المزاج الخاص بأبدان نوع الإنسان ، وهى كيفية حادثة من تفاعل الكيفيات الملموسة فيها ، وهى الحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، ولهذا تفوت النفس باختلاف ذلك المزاج.
ومنهم من قال : إنها من جملة القوى الفعّالة فى الأجسام وهى ما يصح إسناد الأفعال الاختيارية من الذهاب ، والإياب إليها ، وحفظ النوع ، وبقائه فى تولده حتى لا يكون من الإنسان ، إلا إنسان إلى غير ذلك من الأفعال ، وليس ذلك مستندا إلى كيفية المزاج ؛ بل ما يستند إلى المزاج ، ليس غير الاستعداد لهذه الأمور ، فكانت هذه القوى هى النفس ، ولهذا تفوت النفس بفواتها (٤).
ومنهم من قال : النفس صفة الحياة ، وهى ما لا تتم هذه الأفعال إلا بها ، ولذلك تفوت النفس بفواتها (٥).
__________________
(١) راجع مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٢٥ ـ ٢٨ قولهم : فى الإنسان ما هو؟ ٢ / ٢٨ ـ ٣٠ قولهم : فى الروح والنفس والحياة. وانظر الدراسات النفسية عند المسلمين ص ١٠٨ وما بعدها.
(٢) على الكيا الهرّاسى (٤٥٠ ـ ٥٠٤ ه) (١٠٥٨ ـ ١١١٠ م) عماد الدين أبو الحسن : على بن محمد بن على الكياالهراسي ، الطبرستانى ، الشافعى فقيه ، أصولى ، متكلم. ولد سنة ٤٥٠ ه. قدم بغداد ، وتفقه على إمام الحرمين ، وتوفى ببغداد سنة ٥٠٤ ه من مصنفاته : أحكام القرآن والتعليق فى أصول الفقه. [شذرات الذهب لابن العماد ٤ / ٨ ، معجم المؤلفين ٧ / ٢٢٠].
(٣) كجالينوس : راجع الفصل لابن حزم ٥ / ٤٧. وانظر ترجمة جالينوس فيما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ١٠٤ / أ.
(٤) راجع الفصل لابن حزم ٥ / ٧٤ وشرح الطحاوية ص ٤٦٤ وما بعدها.
(٥) المصدر السابق.