وقد احتجوا على ذلك بحجج.
الأولى : أنّهم قالوا : إنه من البيّن الّذي لا شكّ فيه على ما يجده كل عاقل من نفسه أن فيه ، وفى ذاته شيئا به إدراك المعقولات البسيطة التى لا تركيب فيها كالإله : تعالى ، ومبادى المركبات.
قالوا : يجب ألا يكون المدرك لها جسما ، ولا قائما بالجسم قيام الأعراض بموضوعاتها والصور الجوهرية بموادها ، وإلا كان متجزئ ، لأن كل جسم متجزئ على ما سبق ، وما قام بالمتجزئ يكون متجزئا ، ولو كان متجزئا لما كان محلا / لانطباع المعقولات التى لا تجزئ لها فيه ، وإلا فانطباعه فى جزء واحد منه دون باقى أجزائه [أو فى كل واحد من أجزائه] (١).
لا جائز أن يكون الانطباع فى جزء واحد منه فإن فرض جزء من الجسم ، أو ما قام به غير متجزئ ، محال ؛ لما سبق (٢).
والتقسيم بعينه يكون لازما إلى ما لا يتناهى ، ولا جائز أن يكون الانطباع فى كل واحد من الأجزاء ، وإلا فالمنطبع فى كل واحد من الأجزاء إما أن يكون هو نفس المنطبع فى الجزء الآخر ، أو غيره.
فإن كان الأول : فيكون الشيء الواحد فى حالة واحدة ، معلومات كرات غير متناهية ؛ وهو محال.
كيف وإن ما من جزء يفرض إلا هو متجزئ إلى غير النهاية ، والتقسيم بعينه وارد لا محالة.
وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون المعقول المفروض متجزئا. وقد فرض غير متجزئ ؛ وهو محال.
فإذن ما هو محل انطباع المعقولات الغير المتجزئة متجزئ ، وإلا كان ما لا يتجزأ منطبعا فى ما هو متجزئ ، وهو محال ، ويلزم أن لا يكون جرما ، ولا قائما بالجرم ؛ وذلك هو المطلوب.
__________________
(١) ساقط من أ
(٢) راجع ما مر فى الفصل الثالث فى تجانس الأجسام ل ٢٥ / ب وما بعدها.