فإذن النّفس قديمة ؛ لقدم ما وجبت عنه ، غير قابلة للكون.
اللهم إلا أن يقال بتوقف أعمال العلة القديمة فى معلولها على شيء معين من قابل ، أو فاعل ، أو أن فعل الفاعل ليس بالذات ، والطبع ؛ بل بالإرادة والاختيار.
لا جائز أن يقال بالمعين من القوابل الهيولانية ؛ إذ النفس غير هيولانية كما سبق.
ولا فاعل آخر فإن مثل هذا إنما يكون فى مفعول متجزئ يكون لكل واحد من الفاعلين منه جزء ، وإن لم تتميز الأجزاء. والنفس ذات واحدة لا تتجزأ كما سبق.
ولا جائز أن يكون وجود النفس غير الإرادة ؛ [إذ ليست الإرادة] (١) جوهرا ، وما ليس بجوهر لا يكون مؤثرا فى إيجاد الجوهر ، ولا الجوهر يكون متوقفا فى حدوثه عليه ؛ إذ الجوهر أشرف مما ليس بجوهر ؛ فلا يكون الأشرف مفتقرا إلى الأخس.
الحجة الثانية : أنهم قالوا : النفس جوهر قائم بنفسه غير قائم بالأجسام ، وهو متصل بها وهى مخالفة بذلك لسائر القوى ، والصور العرضية التى تبطل عند مفارقة موضوعاتها ؛ فلا تكون قابلة للكون ، والفساد ؛ إذ القابل لذلك ليس إلا ما كان من الموجودات قائما بالأجسام ، وما يرجع حدوثه إلى الحركات المتحددة المنصرمة ، وما يحدث فيه بذلك من القرب والبعد ، والتجزؤ ، والانفصال ، والاتصال ، والاستحالة بالأضداد التى يفسر بعضها بعضا. أما ما هو برئ عن ذلك كله فلا.
وأما القائلون بحدوث النفس فقد احتجوا بثلاث حجج.
الحجة الأولى : أنهم قالوا النفس الإنسانية من نوع واحد كما سيأتى (٢).
فلو كانت قديمة سابقة الوجود على حلولها فى البدن ، لم يخل إما أن تكون متحدة ، أو متكثرة [لا جائز أن تكون متحدة ، وإلا فعند تكثر الأبدان لا يخلوا : إما أن تبقى متحدة ، أو متكثرة] (٣).
لا جائز أن يقال ببقائها متحدة ؛ وإلا فنسبتها إلى بدن واحد ، أو إلى كل الأبدان.
/ فإن كان الأول : فيلزم خلو باقى الأبدان عن الأنفس ؛ وهو محال.
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) انظر ما سيأتى فى الموضع الثانى : اختلفوا فى وحدة النفس وتكثرها ، ل ٢٠٤ / ب وما بعدها.
(٣) ساقط من (أ).